في موسم الانتصار.. الغوطة تسترجع خيراتها وناسها الطيبين
بين مروج القمح اليانعة شديدة الاخضرار يتنقل المزارع أحمد قويدر حاملاً مجرفته ليفتح مسارب للمياه تتدفق من ساقية تمتد بخط مستقيم على محاذاة أرضه والطريق المعبد في بلدة زبدين بالغوطة الشرقية. لا يستطيع أحمد أن يجزم بكمية القمح الذي سيجنيها من أرضه الممتدة على مساحة 30 دونما في حقول زبدين وهو محق بقوله “علينا أن ننتظر موسم الحصاد” في رده على سؤال لمراسلة سانا. لكن المزارع أحمد 52 عاما لم يستطع أن يداري سعادته بعد أن تمكن من زراعة قطعة يملكها في مزارع زبدين لأول مرة منذ سبع سنوات، ويقول: “بعد أن تحررت الغوطة من الإرهاب بفضل الجيش العربي السوري رجعنا وزرعنا الأرض قمحا والسنة الموسم يبشر بالخير”. ويضيف “في سنوات ما قبل الحرب كنا نزرع خضراوات بندورة وباذنجانا وفليفلة لكن بالسنة القادمة عزمنا أن نشجرها بالمشمش”يتابع ضاحكاً “نحن أبو المشمش وقمر الدين”. يقطع أحمد 11 كم من بلدته عربين شمال الغوطة الشرقية حيث يقيم مع أسرته إلى أرض تملكها العائلة في زبدين جنوب الغوطة الشرقية يقول: “الأراضي في عربين مساحتها صغيرة أما في زبدين حقول واسعة” ويضيف “آتي من عربين إلى زبدين أفلح وأزرع وأعود يوميا”. ويرى قويدر أن الغوطة مع استباب الأمن رجعت لأهل الشام وسورية كلها، داعياً كل من ترك الغوطة للعودة “لنزرعها ونعمرها من جديد”. وبخجل وطيبة طافحة على وجهه يعتذر المزارع قويدر الأب لستة أولاد قائلا “لا تؤاخذوني كنت أود تقديم ضيافة حالياً لا يوجد شيء يؤكل بالأرض المشوار الثاني أهلا وسهلا”. يعتلي الحداد حمدي عبيد سلما حديديا مواصلا طرقاته كاسراً هدوء قرية بالا لتثبيت باب خارجي “غلق” لمحل تجاري يقول إنه سيكون مركز أدوية ومبيدات زراعية للعناية بالأشجار يديره مهندس زراعي يتوقف حمدي عن العمل ويتحدث إلينا قائلا:”الطلبات على عمل الحدادة تتزايد تدريجيا، تصنيع أغلاق لمحلات وأبواب وشبابيك وشرفات وتركيب أسقف حديد مستعارة وقرميد، كل البلدات تشهد أعمالا وأشغالا ويضيف معلقا “عندما يمر بالصدفة شخص ويراني أصلح أو أركب باباً يتشجع ويطلب إذا كان بإمكاني إصلاح بيته أو محله”. الحداد حمدي الذي يقيم في بلدة سقبا ولديه محل حدادة يقول:”منذ ثمانية أشهر تنقلت بعدد من القرى والبلدات استجابة لطلبات صيانة في مرج السلطان والنشابية والمليحة وبالا ودير العصافير والأعمال تتنوع بين إصلاح وتجديد محلات وبيوت، مبيناً أن حرفة الحدادين والنجارين في الغوطة تتوسع”. ويقول حمدي الذي يملك خبرة 25 عاما في مهنته إن تحرير الغوطة نقله من عاطل عن العمل لسبع سنوات إلى وضع لا يجد الوقت الكافي لتلبية الطلبات ويتابع أثناء وجود الإرهابيين لا شغلة ولا عملة حالياً نركض حتى نلبي الطلبات، العيشة فرقت بشكل كبير بالأصل قبل التحرير ما كنا عايشين”. يملأ أبو مازن صندوقا معدنيا كبيرا يرتفع على قوائم حديدية بأنواع طازجة من الفواكه والخضراوات يضعها أمام مدخل محله في بلدة دير العصافير معيدا عمله السابق عندما كان “خضرجي” قبل سبع سنوات. خلال الأزمة ترك أبو مازن منزله وقريته دير العصافير ما بين القنيطرة ودمشق أمضى وأسرته سنوات التهجير وما أن أنهى الجيش العربي السوري عملياته ضد الإرهابيين حتى سارع إلى سلوك طريق العودة يقول “قريتنا تنعم ببساتينها ومياهها الحلوة وأرضها الغنية وناسها الطيبين ويضيف وهو يرتب حبات البرتقال “رجعنا لمصلحتنا، نعتز بجيشنا حامينا وبهمة الجميع ستعود قريتنا كما كانت بلد الخير”. على إحدى العبارات في قرية بيت نايم يقف سامي يوسف ممسكا بيد طفله الصغير متأملاً تدفق المياه التي تحولت إلى نهر جارف ويوضح سامي الذي يعمل في معمل لتصنيع البلوك أن هذه المياه قادمة من نهر بردى تشكل نهراً ينتهي في بحيرة العتيبة على أطراف الغوطة على بعد 45 كيلو مترا من القرية. ويعلق سامي الذي يعمل بالفلاحة أيضاً ككل أبناء القرية “المياه وفيرة هذه السنة لا نعرف أين نذهب بها يوجد أراض نمشي فيها على الماء” ويشرح لنا أنهم إضافة إلى بساتين الأشجار المثمرة من مشمش ودراق واجاص وخوخ وجانرك وغيرها يزرعون كل أصناف الخضراوات وبكرم ابن القرية يقول بجدية “عندما يطلع الباذنجان أنتم مدعوون على أكلة مقالي ومؤونة المكدوسة من أرضنا”. رغم سيطرة الإرهابيين على القرية لم يغادر يوسف وأسرته أرضهم لكنهم دفعوا الثمن غاليا ويقول “من يحب أرضه ويتمسك ببيته لا يخرج منها” يأخذ نفسا عميقا ويضيف ما عانيناه لم يعانيه أحد مثلنا انتقم الله منهم. ويتابع كيف أن الإرهابيين رغم خيرات الأرض الكثيرة مارسوا عليهم إرهاب التجويع. في مدخل بلدة كفر بطنا يجلس محمد النبكي وأصدقاؤه يحتسون الشاي بينما عمال شباب يقومون بإصلاح سيارة أمام محل كومجي افتتحه حديثا ويقول محمد الذي يعمل سائقا في إحدى الجهات العامة بعد تحرير الغوطة “فتحت محل كومجي وغيار زيت والعمل في تحسن والكومجي يمكن أن يستمر إلى التاسعة مساء” ويضيف باطمئنان “طلع النهار أو حل الليل لا فرق الأمان لم يعد ينقصنا”.