«الأخبار» اللبنانية: الأزمة أحدثت تغيّرًا ديموغرافيًا نتج منه إعادة تشكل الخارطة السكانية لسوريا
تحت عنوان «جُرح المتغيرات الديموغرافية: سوريا قد تخسر هرمها السكاني»، كتب "زياد غصن" في صحيفة «الأخبار» اللبنانية 23/10/2014 ، يقول: على وقع صدمة مشاهد الخراب والدمار التي لا تزال تتصدر يوميات الحرب في سوريا، ثمة مؤشرات لصدمة أخرى أكثر إيلاماً تنتظر البلاد في مرحلة ما بعد انتهاء المعارك، فـ«النخر» الذي تتعرض له المؤشرات الديمغرافية منذ أكثر من 42 شهراً، أصبح يهدد مستقبل سوريا «الفتية».
يضيف غصن: عندما يتوقف الرصاص يوماً ما عن اصطياد أرواح السوريين، فإن سوريا تكون كما يرى أشد المتفائلين قد قطعت مرحلة اللاعودة إلى ما كانت عليه قبل آذار من العام 2011؛ فالمعارك الدائرة حالياً، وما أفرزته من متغيرات ديموغرافية واقتصادية واجتماعية مختلفة، ستترك «ندبات» و«جروح» كثيرة ومؤلمة على جسد الواقع السوري، قد يكون من الصعب إزالتها أو معالجتها، وإن حدث ذلك فليس قبل مضي سنوات طويلة. فإلى جانب الشرخ الاجتماعي الحاصل بين السوريين، والخراب والدمار اللذين طالا الممتلكات العامة والخاصة والانتشار الواسع للفقر والبؤس، يبرز «جرح» المتغيرات الديموغرافية، الذي ما إن تبرد جبهات القتال حتى تتضح ملامح خطورته ويتعاظم ألمه. والمتغير الأبرز في ذلك يتمثل في الوضع السكاني وما شهده من انحرافات شديدة، يؤكد المدير السابق للمكتب المركزي للإحصاء، شفيق عربش، أنها «ستؤدي بعد عقد أو عقدين من الزمن إلى تغير جوهري في معالم الهرم السكاني، بحيث يضيق في وسطه». خارطة مؤلمة وفي هذا السياق، يشير «المركز السوري لبحوث السياسات» إلى أن الأزمة «أدّت إلى تغيّر ديموغرافي سريع نتج منه إعادة تشكل الخارطة السكانية لسوريا من حيث توزعهم داخل البلاد وخارجها. وفي نهاية أيلول 2013، كانت التقديرات تشير إلى أن السكّان داخل سوريا قد تراجعوا بنسبة 10.7% مقارنة مع ما كان عليه عدد السكّان في بداية عام 2010، إذ تراجع العدد الإجمالي للسكّان من 20.78 مليون نسمة إلى 18.63 مليون نسمة خلال هذه الفترة. وحتى نهاية عام 2013 قدّر عدد السكان بنحو 18.35 مليون نسمة متراجعاً بنسبة 12.1% مقارنة بعام 2010». وذلك نتيجة عدة عوامل أبرزها: ــ ارتفاع معدل الوفيات بفعل مجريات الحرب وتداعياتها على قطاعات الحياة المختلفة؛ فإلى جانب خسارة الأرواح البشرية جراء المعارك، والمقدرة دولياً اليوم بنحو 200 ألف إنسان، فإن الحرب كانت كذلك سبباً غير مباشر في كثير من الوفيات، التي حدثت ولا تزال في سوريا. ووفق ما يؤكده عميد «المعهد العالي للدراسات السكانية»، أكرم القش، في دراسة خاصة، فإن الأزمة سجلت ارتفاعاً في معدل الوفيات الخام من ٣.٦ إلى حوالى ٧ بالألف، وفي معدل وفيات الرضع من ١٨.٤ إلى ٢٣ بالألف، وفي وفيات الأطفال دون الخمس سنوات من ٢١.٨ إلى ٢٥ بالألف، وفي وفيات الأمهات من ٥٦ إلى ٦٥ لكل مئة ألف ولادة. ــ زيادة أعداد السوريين اللاجئين إلى دول الجوار والمهاجرين نحو دول غربية. ووفق تقديرات مستقلة لبعض الباحثين السوريين فإن عدد السوريين المهاجرين بلغ حتى نهاية العام الماضي 1.5 مليون شخص، فيما تشير البيانات إلى أن عدد اللاجئين السوريين في دول الجوار وصل إلى نحو 2.35 مليون لاجئ بنهاية عام 2013، أي إن هناك نحو 4 ملايين سوري غادروا بلادهم بنهاية العام الماضي. أما في ما يتعلق بمعدل النمو السكاني، فإنه على الرغم من الأنباء التي تتحدث عن ارتفاع عدد الولادات في مخيمات اللجوء في الأردن وتركيا (50 ولادة أسبوعياً في مخيم الزعتري، ونحو 60 ألف حالة ولادة للسوريين اللاجئين والمقيمين في تركيا منذ بداية الأزمة حتى بداية شهر أيلول السابق)، إلا أن التوقعات تشير إلى هناك انخفاضاً يسجله المعدل استناداً إلى معطيات كثيرة أبرزها ارتفاع معدل وفيات الأطفال نتيجة غياب الرعاية الصحية والتحصين باللقاحات في المناطق الخارجة عن سيطرة الدولة وفي مخيمات اللجوء، وضغط الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في المناطق الآمنة، والتي تدفع من جهة العائلات إلى تحديد النسل، والشباب إلى العزوف عن الزواج من جهة ثانية. يستبعد الدكتور عربش في حديثه إلى «الأخبار» إمكانية احتساب معدل دقيق للنمو السكاني اليوم، إذ إن «هناك انخفاضاً كبيراً في تسجيل الوقائع الحيوية»، إضافة إلى عدم إنجاز أي مسوح إحصائية وطنية ترصد المتغيرات السكانية التي أفرزتها سنوات الأزمة. لكن الدكتور القش يؤكد أن «معدل النمو السكاني انخفض إلى 2%»، علماً بأنه قبل الأزمة كان يشكل نسبة وقدرها 2.37%. وأياً كان الرأي حول معدل النمو السكاني، فإن ذلك لا ينال من حقيقة التشوهات الجديدة التي طرأت على المشهد الديمغرافي في سوريا، والذي هو بالأساس كان يمثل عبئاً على الدولة منذ سنوات ما قبل الأزمة.
القادم الأعظم تكمن «مأساوية» التغيير الديموغرافي الجديد في التطورات السكانية الآتية:ــ يشكل الشباب النسبة الأكبر في تركيبة الوفيات الواقعة منذ بداية الأزمة، وفي موجات الهجرة التي نشطت خلال العامين السابقين، الأمر الذي يعني أن ثمة خللاً جوهرياً قد حدث في التركيبة العمرية للسكان، وفي عدد السكان الذين هم خارج دائرة قوة العمل، وفي معدل الإعالة الاقتصادية... وغيرها. ــ تراجع عدد الولادات لأسباب كثيرة مرتبطة بتداعيات الأزمة، الأمر سيؤدي إلى انحسار تدريجي لقاعدة الهرم السكاني ووسطه عمّا كان عليه قبل الأزمة، ونتائج ذلك لن تظهر إلا بعد عدة سنوات، عندما تتراجع بجلاء فتوة المجتمع السوري والفئة العمرية التي ما دون 15 عاماً. ــ نزوح أكثر من ستة ملايين شخص عن مناطق سكنهم أسهم في خلخلة التوزع الجغرافي للسكان داخلياً، وتالياً الضغط على الموارد والثروات والمرافق الخدمية وفرص العمل في محافظات ومناطق معينة. ووفق ما يقوله الدكتور القش، فإن نموّ سكان المدن تراوحت نسبته بين 4 و5%، وخلال الأزمة فإن هذه النسبة وصلت في بعض المناطق إلى أكثر من 10%. ــ ارتفاع معدل الإعالة الاقتصادية بالتزامن مع تخطي معدل البطالة عتبة الـ50%، وتدني الدخول الشهرية يعزز من حضور الفقر في حياة السوريين لسنوات قادمة، سواء توقفت اليوم المعارك أو استمرت. ــ تراجع المؤشرات التعليمية والصحية للسكان المقيمين داخل البلاد وخارجها، نظراً إلى انهيار النظام الصحي والتعليمي في المناطق الخارجة عن سيطرة الدولة، والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي تعيشها كثير من العائلات النازحة، وتدني مستوى الخدمات الصحية والتعليمية المقدمة للاجئين في مخيمات اللجوء في تركيا والأردن ولبنان. فالتوقعات تشير إلى ارتفاع معدل الأميّة إلى 20% ونسبة تسرّب الطلاب من مدارسهم إلى 30%.