نواب وعسكريون وقانونيون: النمسا ستقف متهمة أمام العدل الدولية بسبب سوريا
طالعتنا الصحف النمساوية، أخيرا، بقصة مرفقة بمقطع فيديو، يصور كمينا نصبه مسلحون لأفراد من المخابرات السورية، الفيديو أثار أزمة كبيرة، كونه مصور بأيدي الجنود النمساويين المشاركين ضمن قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.
تصوير الجنود للمشهد، الذي قتل فيه أفراد المخابرات السورية، وقبلها بلحظات كان هناك حديثا بين أفراد المخابرات والجنود النمساويين، الذين لم يحذروهم من الكمين الذي نصبه المسلحون، وكذلك إخفاء المعلومات المتعلقة بالحادث، الذي وقع في منتصف العام 2012، دفع البعض للمطالبة بمحاسبة دولية للنمسا، التي سحبت جنودها من سوريا بعدها بعام واحد، بزعم حمايتهم.
عضو مجلس الشعب السوري، الدكتور جمال الزعبي، قال في تصريحات خاصة، اليوم الخميس 3 مايو/ أيار 2018، تعليقا على الواقعة إن الدولة السورية وأبناء الشعب السوري تعودوا دائما من الغرب على إخفاء الحقائق، حتى وإن كانت متعلقة بأمور هامة، مثل هذه الحادثة، التي شكلت فارقا كبيرا بالنسبة للسوريين.
وأضاف: "إخفاء هذه الأدلة، التي تظهر كمينا للعصابات الإرهابية يستهدف عناصر الأمن والمخابرات، هو تماما كمن يشارك في العمل ويوافق عليه، وهذا — قانونا — يدخل في باب إخفاء الأدلة الجنائية والحقائق الدامغة، كما أنه يمكن أن يصنف باعتباره صمتا أو سكوتا عن الأعمال الإرهابية، وبالتالي دعما لها". وأوضح عضو مجلس الشعب السوري جمال الزعبي، أن هناك الكثير من الوثائق التي تخفيها الدول الغربية، وبعض دول الأعراب "الخليجية"، التي توثق وتصور جرائم الحرب المرتكبة بحق الشعب والجيش السوري، وكلها أدلة يمكن أن تكون داعمة للدولة السورية، لهذا يعمدون إلى إخفائها عن الجميع. وعن إمكانية التقدم بشكوى أممية، قال الزعبي: "بالتأكيد ستقوم الحكومة السورية بإضافة هذه الأدلة إلى مجموعة الوثائق التي عثر عليها في أوكار الإرهابيين، وكذلك إلى الاعترافات التي يدلي بها الإرهابيين ممن سلموا أنفسهم أو تم القبض عليهم، وهناك عدة لجان حقوقية حكومية ومدنية تتابع وتوثق جرائم الحرب، وسيتم تقديمها للهيئات الدولية ومحكمة العدل الدولية في لاهاي". من جانبه، قال العميد مرعي حمدان، الخبير العسكري والاستراتيجي السوري، إن الجنود الذين صوروا المقطع، كان عليهم – على الأقل – تحذير أفراد المخابرات السوريين من أن هناك كمينا ينصب لهم، وهذا من واجباتهم. وأضاف حمدان، في تصريحات له، أن الجنود النمساويين كان واجبا عليهم أيضا – بحكم القانون – منع أي عمل عسكري أو اشتباك بالأسلحة في المنطقة التي يقومون بحمايتها، ولكنهم خالفوا هذه القواعد، واكتفوا بتصوير المشهد والتداول فيما بينهم بشأن التحذير من عدمه، في نفس الوقت الذي كان أفراد الأمن السوريين يواجهون الموت. وأكد الخبير العسكري السوري أن ادعاء الجنود النمساويين أنهم خافوا من الاستهداف من جانب المسلحين، هو عبارة عن تهرب بأسلوب طفولي من المسؤولية، فالواجب العسكري يحتم عليهم مواجهة أي مسلحين، أو على الأقل تحذير السوريين ليتجنبوا الكمين أو الاستعداد لمواجهته، مؤكدا أن سحب النمسا لجنودها من سوريا في 2013، جاء لتجنب أي مساءلة لاحقا. وأوضح حمدان أن الوسيلة التي وصلت بها المعلومات إلى الصحافة النمساوية بشأن الكمين، تدل على أن التسريب حدث بعيدا عن الحكومة النمساوية، التي حرصت على إخفاء الأمور وجعلها في طي الكتمان، كي لا تفتح على نفسها أبواب المساءلة الدولية، ولكي تتجنب أي مواجهات قانونية مع سوريا في المحافل الدولية. وفي السياق نفسه، قال المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية في جامعة دمشق الدكتور بسام أبو عبدالله، إن السلطات النمساوية تحقق الآن في الأمر، وإذا صحت هذه المقاطع والادعاءات، فإنه بالتأكيد سيكون هناك اتفاقا مسبقا، لأنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تتعاون الأمم المتحدة مع المنظمات الإرهابية. وأضاف، أنه "من ناحية أخرى، سحب القوات النمساوية، أظهر مسؤولي الأمم المتحدة كمتورطين، خاصة أن الأمين العام المساعد للأمم المتحدة للشؤون السياسية جيفري فيلتمان من المحافظين الجدد، وبالتالي هناك نوع من الإشارة من القوى التي كانت تشن العدوان على سوريا، لسحب القوات لإقامة حزام أمان، من أراضي الجولان لإسرائيل". وعن تحمل النمسا مسؤولية قانونية، قال أبو عبدالله "الجنود النمساويين قانونا يحاسبون، لأنهم موجودون ومسؤولون عن أمن الأراضي السورية، بموجب اتفاق عام 1974، وبالتالي فإن تواطؤهم من المسلحين يضع مسؤولية قانونية على السلطات النمساوية، التي يفترض أن تكون قواتها قوى حيادية، أو على الأقل قوة لا تقف إلى جانب جماعات إرهابية". أستاذ القانون الدولي، الدكتور محمد عبدالرازق، قال، إن الأمم المتحدة عليها أن تبدأ تحقيقا في الأمر، على الفور، لكي تتأكد مما إذا كانت السلطات العسكرية والحكومة النمساوية علمت بشأن مقاطع الفيديو المسربة أم لا، ويجب أن تبدأ تلك التحقيقات باستجواب الجنود الذين صوروا الحادث، وكذلك السلطات التي اتخذت قرارها بسحب الجنود من سوريا في 2013. ولفت أستاذ القانون الدولي إلى أن بدء هذه التحقيقات، سيكون من خلال تقدم السلطات السورية بشكوى إلى محكمة العدل الدولية، أو إلى الأمم المتحدة أولا ثم محكمة العدل الدولية، ولكن يجب أن تكون هناك وثائق يمكن من خلالها إقناع المحكمة بأن تفتح تحقيقا في الأمر، لأن إثبات تورط دولة بحجم النمسا يحتاج إلى إمكانيات كبيرة. وشدد على أن هناك إمكانية بالفعل لتحريك دعوى قضائية دولية ضد النمسا، لأن جنودها كانوا مسؤولين عن أمن منطقة معينة، وأخلوا بهذه المسؤولية، وهذا الإخلال أدى إلى مقتل موظفين رسميين لدى الدولة السورية، كما أن الصمت كل هذه الفترة يعد إخفاء للأدلة الجنائية، ويمكن تفسيره على أنه دعم وتستر على مجموعات مسلحة، وهذه جريمة كبرى، طالما أن مرتكبيها عسكريين أجانب.