تركيا والولايات المتحدة تغلقان الأبواب بعضهما في وجه بعض
يشير معلق صحيفة "كوميرسانت" السياسي سيرغي ستروكان إلى أن واشنطن وأنقرة، لم تعودا حليفين استراتيجيين.
كتب ستروكان:
تمر العلاقة بين واشنطن وأنقرة بأزمة حادة لم تشهدها خلال السنوات العشر الأخيرة. فقد أشار رئيس الحكومة التركية بن علي يلدريم، في معرض تعليقه على توقف الولايات المتحدة عن منح تأشيرات الدخول لغير المهاجرين، إلى أن ذلك لا يتوافق مع الشراكة الاستراتيجية.
وقد اتخذت الولايات المتحدة قرارها، الذي تسبب في انهيار قيمة الليرة التركية وتقييد حرية حركة ألوف الأشخاص، ردا على اعتقال اثنين من موظفي قنصليتها (يحملان الجنسية التركية) في اسطنبول، بتهمة المشاركة في مؤامرة ضد الحكومة. وقد أصبح قرار التوقف عن منح التأشيرات مهيجا جديدا في قائمة المشكلات الطويلة، التي حولت تركيا من موقع أمامي استراتيجي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط إلى خصم عنيد.
وإن التصريح، الذي أصبح شهادة على تفاقم العلاقة بين واشنطن وأنقرة، أدلى به بن علي يلدريم خلال لقائه كتلة حزب العدالة والتنمية الحاكم في البرلمان، عقب انهيار البورصة والانخفاض الحاد لقيمة الليرة التركية.
وقد قال يلدريم في رده على بيان السفارة الأمريكية في أنقرة بشأن توقفها عن منح تأشيرات الدخول لمواطني تركيا باستثناء تأشيرات الهجرة: "يجب ألا يتصرف الشركاء الاستراتيجيون بهذه الصورة ومعاقبة الناس"؛ مذكرا بأن السلطات التركية فتحت التحقيق بقضية جنائية ليس ضد الولايات المتحدة، بل ضد اثنين من مواطني تركيا، وأن عملهما في القنصلية الأمريكية لا يمنحهما أي حصانة من الملاحقات القضائية في وطنهما. وقال إن "تركيا - دولة قانون، وليست بحاجة إلى سماح من الولايات المتحدة لاعتقال شخص ما". وأضاف محذرا: "لن تُمنح أي امتيازات للمشتبه بهم".
وقد أعلن يلدريم أن سفارة بلاده في واشنطن سترد بالمثل على الجانب الأمريكي، وتتوقف عن منح تأشيرات الدخول لمواطني الولايات المتحدة، معربا عن أمله في أن تعود العلاقات بين البلدين إلى مجراها الطبيعي قريبا.
ويذكر أن سبب هذه الأزمة هو متين طوبوز، الذي اعتقل بتهمة "انتهاك الدستور" و"محاولة إطاحة الحكومة"، حيث ظهر اسمه خلال التحقيقات الجارية بشأن محاولة الانقلاب الفاشلة، التي جرت يوم 15 يوليو/تموز 2016، والتي، بحسب اعتقاد السلطات التركية، يقف وراءها الداعية الإسلامي فتح الله غولن المقيم في الولايات المتحدة. وقد تم اعتقال موظف آخر في القنصلية الأمريكية باسطنبول يحمل الجنسية التركية أيضا من دون الكشف عن اسمه.
وفي الوقت، الذي يصر فيه الجانب التركي على حقه في القيام بملاحقات جنائية ضد مواطنيه، من دون التشاور مع واشنطن، تعتقد الولايات المتحدة أن تنسيق العمل ضروري في إطار الشراكة الاستراتيجية مع أنقرة. ويقول السفير الأمريكي لدى أنقرة جون باس أن "الحكومة التركية لم تتبادل (مع الأمريكيين) المعلومات التي تشير إلى تورط موظفي السفارة في نشاط سري. فهل كان الاعتقال هدفا لمسؤولين رسميين يريدون تقويض التعاون بين البلدين"، - كما يقول السفير. وتعتقد واشنطن أن السلطات التركية تتستر بالقانون وتمارس الملاحقات السياسية التي أصبح موظفا القنصلية من بين ضحاياها.
إلى ذلك، فقد زادت الفضيحة الجديدة من غموض مستقبل العلاقات بين البلدين، التي لم تتحسن حتى بعد اجتماع أردوغان وترامب في شهر مايو/أيار الماضي. وإن عدم رغبة واشنطن في تسليم فتح الله غولن الذي يعده أردوغان الخطر الأكبر على سلطته، يبقى أحد العوائق في طريق تطبيع العلاقات بينهما.