مدير المركز العربي للدراسات الإيرانية: لن تنجح أي ترتيبات في المنطقة بدون طهران
قام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بزيارة للمنطقة، حظيت بتغطيات إعلامية وتحليلات سياسية كبيرة، من أجل رصد أهداف تلك الزيارة الأولي للرئيس الجديد خارج بلاده بعد توليه السلطة.
فلماذا كانت الرياض محطته الأولى؟ وهل تلك الزيارة لتأكيد علاقات وأوضاع قائمة؟ أم لصياغة أوضاع جديدة في المنطقة؟ وما هى مكاسب الأطراف المشاركة؟ وهل يمكن نجاح الترتيبات الجديدة في ظل استبعاد قوى كبيرة ومؤثرة مثل إيران؟ تلك الأسئلة طرحتها "سبوتنيك" على الدكتور محمد صالح الصديقان، مدير المركز العربي للدراسات الإيرانية.
إلى نص الحوار:
ثلاث قمم عقدها ترامب مع العاهل السعودي وقادة مجلس التعاون وعدد من الدول العربية والإسلامية… ما مدى تأثير ذلك على "طهران" والمنطقة؟
إيران لديها ذرائع لاستتباب الأمن في المنطقة، وترى أن هذا الاستقرار يجب أن يكون من خلال دول المنطقة وليس من خلال التدخل الأجنبي، ولدى إيران يقين بأن الغرب وأمريكا لا يمكن لهما أن يساهما في الأمن المنشود، فزيارة ترامب وتلك القمم التي تعقد في الرياض والتي تم الترويج لها تحت عنوان "محاصرة إيران والضغط عليها"، وبالتأكيد لن تقبل طهران ولن ترحب بهذا العمل، وترى طهران في تلك القمم نوع من الابتزاز، الخليجيين يبتزون أمريكا وكذا أمريكا تبتز الخليج، وليست هناك نية صادقة إلى إمكانية عودة الهدوء والاستقرار إلى هذه المنطقة.
وكيف ستواجه إيران تلك "القمم" الموجهه ضدها مباشرة كما قلتم؟
ما أعلن قبل الزيارة عن تشكيل ناتو عربي أو إسلامي، لا يمكن أن يكتب له النجاح، وإيران بالتأكيد تعلم باستبعادها من هذا التكتل، وبالتالي هناك خلل لعدم مشاركة دول رئيسية في المنطقة وهذا ما سيجعل الفشل المصير المحتوم لمثل هذه التكتلات إذا ما خرجت إلى النور. هل نحن أمام مرحلة جديدة ستمر بها المنطقة في أعقاب تلك التجمعات؟
المنطقة حُبلى بالتطورات، فنحن أمام مرحلة جديدة وهى مرحلة ما بعد "داعش"، فهناك عزم على مواجهته، حتى القمم التي عقدت بالسعودية تصب في إطار كيفية محارية الحركات الإرهابية والتطرف والعنف في المنطقة، والآن نحن أما مرحلة ما بعد "داعش" في العراق وسوريا، وما هو مصير الحكم الحالي في سوريا، وما هو موقف الصين وروسيا وإيران من هذه التطورات، وأنا أعتقد المنطقة تمر بمرحلة مخاض من أجل إيجاد نظام أمني وسياسي وعسكري في الشرق الأوسط بعد الفراغ الذي عاشته في أعقاب انهيار الاتحاد السوفييتي، وانهيار حكم صدام حسين في العراق والذي كان يمثل البوابة الشرقية للنظام الرسمي العربي، ومنذ التسعينيات والمنطقة تعاني من فراغ، والسؤال هنا…هل يمكن لهذه القمم أو التحالفات التي يقودها ترامب أن تشكل نظام أمني؟ وهل يمكن لهذا النظام الأمني أن يتشكل بدون إيران أو روسيا أو الصين؟ أنا أشك أن تأتي تلك القمم بالإستقرار والأمن وأعتقد أنها "فرساي جديدة" للمنطقة، مع أني على يقين أن هناك مبالغة في هذا الأمر، فالتطورات لم تنتهي وبالتالي هناك دول سواء كانوا أعضاء في مجلس الأمن الدولي مثل روسيا والصين أو دول كبيرة في المنطقة مثل إيران والتى لن تسمح باستبعادها من هذه المنطقة، ربما تفرض عليها عقوبات وتمارس عليها ضغوط غربية كثيرة، وأنا لا اعتقد أن إيران يمكن أن تخضع لهذه الضغوط وتنكفيء على نفسها.
إذا ماهى قراءتكم لتلك الزيارة والأهداف الأمريكية من ورائها؟
نحن لم نسمع من الإدارة الأمريكية الجديدة حتى الآن تصوراً واضحاً حول آلية التعامل مع قضايا الشرق الأوسط بما فيها الملف الإيراني، وما يخص القضية الفلسطينية، فقد سمعنا في البداية أن ترامب يرفض حل الدولتين، ثم قال إنه سيأمر بنقل السفارة الأمريكية للقدس، ثم تراجع عن ذلك، أعتقد وإلى الآن أنه لا يوجد تصور واضح للخارجية الأمريكية، وربما ترغب الإدارة الأمريكية في وضع تصور من على أرض الواقع للمرحلة القادمة للتعاطي مع المنطقة، من خلال اللقاءات مع قادة الدول العربية والإسلامية، أي أن ترامب ربما يريد القفز للأمام على المشاكل التي يعاني منها الداخل الأمريكي.
هل يمكننا القول أن تلك اللقاءات "استكشافية" لتوجيه السياسة الأمريكية؟
أنا أميل إلى أنها زيارة لجس النبض "استكشافية"، فقد قال ترامب قبل أسابيع "على الدول العربية أن تدفع أكثر"، وهو جاء وقام بعقد عدد من صفقات السلاح وبأرقام خيالية، هناك بعض المبالغة في هذه الزيارة، وأعتقد بنظرة واقعية علينا أن ننتظر حتى نرى كيف ستتعامل إدارة ترامب مع قضايا الشرق الأوسط في ظل غياب الاستراتيجية الواضحة لوزارة الخارجية الأمريكية.
هل ترى أن خطاب ترامب في الرياض تراجعاً عن شعاراته الانتخابية فيما يخص المنطقة؟
مشكلة ترامب أنه لم يستقر على رأي، فما طرحه في حملته الانتخابية وما مارسه على الأرض، به تناقض كبير وعدم وضوح في الصورة، وربما أراد أن يتناغم مع الحالة الشعبية والفوضوية القوية الموجودة في الولايات المتحدة، والتي باتت تعترف بها كل الأوساط الإعلامية والسياسية، وما تلاها من تخبط في تغيير المسئولين الكبار في الإدارة الأمريكية، وتورط إدارة ترامب في العديد من القضايا السياسية التي يعج بها الداخل الأمريكي، ويرى الكثير من المراقبين أن توجه ترامب إلى الشرق الأوسط في الوقت الذي يعاني فيه الداخل الأمريكي الكثير من الأزمات نوعاً من الهروب، وليس لدينا اليوم وضوح حول سياسة ترامب تجاه الداخل والخارج، ويمكن أن نطلق على المرحلة الحالية بأنها مرحلة "فوضى التصورات"، وما قيل عن الزيارة الأمريكية للسعودية ربما فيه الكثير من المبالغة، وقد تكون بعض الأطراف الإقليمية تريد أن تبتز الموقف الأمريكي وتنجز له بعض الإنجازات في الشرق الأوسط حتى تساعده في الداخل الأمريكي، وأعتقد أن التعقيد الموجود للأوضاع في المنطقة يجعل من الصعوبة تنفيذ تلك التصورات، فالوضع الآن يختلف عن ثمانينيات القرن الماضي، ولن تنجح أي ترتيبات دون جلوس كل دول المنطقة من أجل صياغة نظام أمني يحقق تنمية واستقرار المنطقة. برأيكم ما هى المكاسب التي ستجنيها الرياض من تلك الزيارة؟
العلاقة السعودية الأمريكية ليست جديدة، وقد مرت بمرحلة فتور في عهد أوباما، وربما تريد السعودية مع الإدارة الجديدة لترامب، تحقيق المصالح السعودية السياسية — الاقتصادية — الأمنية. ما الذي يريده ترامب من وضع السعودية كأولى محطات زياراته الخارجية؟
أعتقد أن ترامب فكر بعقل تجاري عندما زار منطقة الشرق الأوسط، فهو أراد استثمارات جديدة لأمريكا، من أجل مناغمة الحالة الشعبية التي نادى بها، من أجل تحقيق وضع اقتصادي وفرص عمل أفضل، فعقد صفقات سلاح أعتقد أنها مهمة جداً للاقتصاد الأمريكي والوضع الداخلي، وسوف تصب تلك الزيارة لمصلحة الاقتصاد الأمريكي أكثر مما تصب في مصلحة أمن واستقرارالشرق الأوسط.