صدرت دراسة تحليلية تناولت الصورة التي يقدمها الإعلام الأجنبي عن "داعش" بهدف التعرف على الرسائل التي يوجهها الإعلام والأعمال الروائية المتلفزة حول هذا التنظيم الإرهابي.
وتوضح الدراسة التي أعدتها مؤسسة التنمية والدعم الروسية المنبثقة عن نادي "فالداي" الدولي للحوار، أن الصورة الدارجة لـ"داعش" في وسائل الإعلام، هي صورة مركبة ومثيرة للجدل وعابرة للحدود، حيث تشكلت نتيجة لتداخل الأطر الإعلامية التقليدية والحديثة التي تمخضت هي الأخرى عن المزج ما بين رسائل "داعش" الترويجية وما يصوره ويحكيه إعلام الدول المعادية للإرهاب.
وتؤكد الدراسة أن المتابعين في الوقت الراهن، يشهدون محاولة لتوصيف ظاهرة اجتماعية سياسية جديدة بلغة إعلامية مهترئة تجعل من المستحيل التعبير عن جوهر هذه الظاهرة وتعريتها.
وتشير هذه الدراسة إلى تقدم مستمر في توصيف هذه الظاهرة ، بما يرافقها من تغيرات تطال الأطر التقليدية التي كانت تستخدم سابقا في تغطية الإسلام الراديكالي، إذ تقدم الأعمال الروائية عادة إبداعا وحداثة لغويين أكبر مما تقدمه وسائل الإعلام التقليدية.
وخلصت الدراسة إلى أن الرسائل الإعلامية ما انفكت تركز على ميزتين رئيسيتين للخبر، وهما الإخبار والتحليل، إذ أن 28 في المئة من مجمل الأنباء التي تتحدث عن "داعش" تعده عدوا، فيما اصطلحت وسائل الإعلام عباراتي "التدخل الدبلوماسي" و"التدخل العسكري" في واحد من كل عشرة تقارير.
كما تتعمد هذه الوسائل وحسب الدراسة، أن تدرج في موادها لدى تغطية ممارسات "داعش" كلمات "الإسلام"، "المتطرفون"، "المسيحية، "الضحية والجاني"، وهو ما يتجلى في كثير من مواضيع صحف "وول ستريت"، و"جورنال" و"غارديان".
والفئات التي تظهر أكثر من غيرها في النصوص الإعلامية وفقا للدراسة، تشمل الإرهابيين ومناهضيهم، لتحتل جيوش الدول المنخرطة في مكافحة "داعش" المرتبة الثانية في طيات النصوص.
كما تركز وسائل الإعلام لدى تغطيتها نشاط "داعش" على ضحايا اعتداءاته الإرهابية، وذلك في مقال واحد من أصل أربعة على أدنى تقدير وخصوصا في الإعلام الأمريكي، بحيث تتمحور النصوص حول فكرة مكافحة إرهاب "داعش" كظاهرة.
أما قضية التنظيم كمشكلة، فيعكف الإعلام على تغطيتها بشكل رئيس في البرامج الحوارية السياسية لا في النصوص الإخبارية، إذ يركز خطاب 47 في المئة من هذه البرامج على مكافحة "داعش"، كما يسلط الضوء على حملات مكافحة الإرهاب والهجمات الإلكترونية وغير ذلك من نشاطات مرتبطة بمكافحة الإرهاب والتدابير الأمنية والوقائية المتخذة.
والملفت في الدراسة أنها كشفت عن أن وسائل الإعلام المذكورة تسمي "داعش" دولة في 56 في المئة من تقاريرها، فيما تسميه تنظيما إرهابيا في 45 في المئة من التقارير، فيما يتباين الاهتمام بين بلد وآخر بتغطية مشكلة "داعش".
وأشارت الدراسة إلى أنه، ورغم "إبداع" "داعش" في إرباك الخطاب الإعلامي من خلال فرض مصطلح "الدولة" والتعابير اللفظية المصاحبة له، فقد فشل في تقديم زعيمه أبي بكر البغدادي بطلا منتصرا.
وتظهر الدراسة أن وسائل الإعلام مع البدايات الأولى لـ"داعش"، كانت أقل اهتماما بتغطية ممارساته، فيما خيم هدوء نسبي أعقب إعلان "داعش" "الخلافة" في مناطق سطوته، ولم يتغير الاهتمام الغربي به جذريا إلا بعد مقتل جيمس فولي.
وشهدت المرحلة التالية انخفاضا تدريجيا في وتيرة الأحداث والجرائم التي اقترفها التنظيم حتى الهجمة الإرهابية الأولى على باريس الأمر الذي شهد اهتماما غير مسبوق بـ"داعش" وممارساته. فلم تشهد وتيرة تسليط الإعلام الضوء على نشاطات "داعش" تغيرا جوهريا مع انطلاق العملية الجوية الروسية في سوريا لمكافحته، وبقيت تغطيته معتدلة إلى أن عم صدى جرائمه في مدينة عين العرب السورية العالم، لتسجل "شهرته" في وسائل الإعلام شرقا وغربا بلا استثناء زيادة حادة وصلت إلى 150 في المئة.
وتداولت النصوص التي غطت "داعش" أسماء 1840 مسؤولا حول العالم، حيث ورد اسم الرئيس الأمريكي باراك أوباما في 30 في المئة منها، واسم الرئيس السوري بشار الأسد في 16 في المئة والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 9%.
كما ورد اسم ديفيد كاميرون، رئيس الوزراء البريطاني، في 8 في المئة من هذه المواد، فيما أشير في 6 في المئة إلى الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان. أما أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم فحل في المركز 12 بين 1840 شخصية تتداولها وسائل الإعلام حين تغطي أخبار التنظيم الإرهابي.
وغطت هذه الدراسة أعمال روائية متلفزة كرسها أصحابها لقضايا الإرهاب خلال السنوات السبع الماضية، تميزت بمستوى عال من التحليل. وأشارت إلى أن هذه الأعمال ورغم ثرائها، وغوصها في السياقات التاريخية والثقافية للأحداث الإرهابية، بدءا مما دونه جورج أورويل الناقد الصحفي ومؤلف الشعر الخيالي وصولا إلى اعتداءات 11 سبتمبر، وتنظيم "القاعدة"، كرست اهتمامها الأكبر لـ"داعش" وظاهرته.
إلى ذلك، فقد غطت الدراسة فترة بروز التنظيم اعتبارا من29 يونيو/حزيران 2014، وهو تاريخ إعلان داعش "الخلافة" على الأراضي التي استولى عليها في سوريا والعراق، وحتى 30 نوفمبر/تشرين ثاني 2015.
وشملت الدراسة عملين تلفزيونيين، وهما مسلسل "الطاغية" الأمريكي، وفيلم "أربعة أسود" البريطاني، كما استندت في شقيها إلى طبيعة تغطية الشخصيات المعنية والأحداث، والتفاعلات الاجتماعية والعنصر الثقافي والسياق العام الذي تزامن مع بث وسائل الإعلام المذكورة موادها عن "داعش".