الدولة الاسلامية تنقل الحرب إلى عقر دار أعدائها بعد هزائمها في ساحة المعركة
من المحتمل أن تكون الدولة الاسلامية قررت في سبتمبر ايلول نقل الحرب إلى فرنسا ودول أخرى بعد ما واجهته من انتكاسات في جبهات دولة الخلافة التي أعلنتها في سوريا والعراق والضربات الجوية المكثفة من قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة. فقد هدد التنظيم المتطرف مرارا بمهاجمة الدول الغربية في عقر دارها منذ رسخ أقدامه وسط الحرب الأهلية السورية ثم مد نفوذه إلى شمال العراق في العام الماضي. غير أن مقاتلا تم الاتصال به داخل سوريا قال إن المتحدث باسم الدولة الاسلامية أبو محمد العدناني أصدر تعليمات من أجل التحرك في الخارج. وقال المقاتل السوري في صفوف الدولة الاسلامية عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي من شمال سوريا "جاء أمر من الشيخ العدناني بالتحرك منذ حوالي شهرين. لقد أرسل الشيخ العدناني أمرا خطيا لكل القواطع أي السرايا الأمنية بالتحرك بما فيها في إدلب وغيرها من الأماكن، لبنان أيضا." وأضاف "الذي حصل هو غيض من فيض. لبنان وفرنسا كله جزء من هذا."
وكان تنظيم الدولة الاسلامية أعلن مسؤوليته عن هجمات يوم الجمعة الماضي التي أسفرت عن سقوط ما لا يقل عن 132 قتيلا في باريس وذلك انتقاما من الضربات الجوية التي توجهها فرنسا للتنظيم بالإضافة إلى تفجيرين انتحاريين سقط فيهما 43 قتيلا يوم الخميس في ضاحية بيروت (معقل حزب الله اللبناني الذي يقاتل التنظيم في سوريا). كما أعلن التنظيم مسؤوليته عن حادث تحطم طائرة روسية فوق شبه جزيرة سيناء في 31 أكتوبر تشرين الأول الذي قتل فيه 224 شخصا وذلك بعد أن بدأت روسيا حملة غارات جوية في سوريا. وقال مصدران أمنيان لرويترز يوم الأحد إن السلطات التركية تشتبه أن جهاديا بريطانيا اعتقل في تركيا الأسبوع الماضي ربما كان يخطط لتنفيذ هجمات في اسطنبول مماثلة لهجمات باريس. كما هدد التنظيم بشن هجمات تستهدف السعودية والولايات المتحدة وروسيا. ولم يمكن على الفور التحقق من صحة الأمر الذي قال أنصار الدولة الاسلامية ومقاتلون فيها إنه صدر لخلايا نائمة في عدة أماكن. وقال المقاتل "رسائلهم إلينا تكون بالدماء والأشلاء ولذلك رسائلنا تكون بالمثل بكل بساطة."
يعمل التنظيم بأسلوب في غاية السرية كما أن له هيكلا تنظيميا معقدا. وبصفة عامة فإن صاحب القول الفصل في التنظيم هو أبو بكر البغدادي الذي نصب نفسه خليفة على المسلمين لكن نائبه يتمتع أيضا بنفوذ كبير. ويستشير الاثنان مجلس الشورى المؤلف من قيادات عسكرية ودينية وغيرها يقدم المشورة للبغدادي فيما يتعلق بالاستراتيجية والخطط العسكرية. ويتطلع جيل الشباب من الجهاديين للبغدادي بوصفه زعيما قويا سيسهم في إقامة دولة إسلامية كبرى تنشر الإسلام في مختلف أنحاء العالم. وقد اجتذب التنظيم آلاف الجهاديين من مختلف أنحاء العالم بما في ذلك أوروبا. لكن تشديد القيود الأمنية التي فرضتها عدة دول أوروبية حال دول سفر الراغبين في المشاركة في الجهاد للانضمام إلى صفوف التنظيم في سوريا والعراق.
وللتغلب على ذلك أنشأ التنظيم قنوات للاتصال من قواعده في الشرق الأوسط بهؤلاء الجهاديين وشجعهم على العمل "كذئاب منفردة" أو من خلال خلايا صغيرة لتنفيذ هجمات داخل الدول التي يعيشون أو يعملون فيها. ويقول أحد المقاتلين إنه لا يمكن أن تتصل الخلايا النائمة ببعضها بعضا لكنها كلها على اتصال بجهاز خاص يتولى مسؤولية "العمليات الخارجية" ومنه تتلقى الخلايا أوامرها. ولم يذكر تفاصيل. ولا يعرف شيء يذكر عن رئيس الجهاز الذي قال المقاتل إنه أردني الجنسية ويعمل بالتنسيق عن كثب مع القيادة في سوريا والعراق ويسافر بين البلدين. ولا يعرف عنه سوى اسمه الحركي. وقال مصدر جهادي على صلة وثيقة بالتنظيم "يوجد الكثير من الإخوة حاليا في الغرب بصفة خلايا نائمة وهم على تواصل مباشر مع الإخوة في القطاع الخارجي وهو جهاز معين مخصص لهذا الأمر." وأضاف "هو بمثابة فرع استخباراتي قوي. إن مسؤوله أردني وهو يقوم بالتخطيط والتنسيق مع الإخوة في الخارج." ولم يمكن التحقق من صحة روايته من مصدر مستقل. ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن مسؤولين من أوروبا والولايات المتحدة قولهم إن المهاجمين الذين شنوا الهجمات في فرنسا أجروا اتصالات قبلها بأعضاء معروفين في الدولة الاسلامية في سوريا.
قال مقاتلون في الدولة الاسلامية إن هجمات باريس رفعت الروح المعنوية داخل الدولة الاسلامية بعد أسبوع من هزيمتها في بلدة استراتيجية في سوريا قرب الحدود العراقية بالاضافة إلى مدينة سنجار العراقية في واحد من أكبر الهجمات المضادة منذ اجتياح مقاتلي الدولة الاسلامية لشمال العراق في العام الماضي. كما استطاع الجيش السوري تدعمه ضربات جوية روسية فك حصار فرضته الدولة الاسلامية لمدة عامين تقريبا على قاعدة عسكرية للجيش السوري وحرروا الجنود المحاصرين فيها. وفي حين أن الدولة الاسلامية هددت مرارا بتوجيه ضربات داخل الدول الغربية فإن أنصارها يقولون إن معركتهم مع فرنسا بصفة خاصة تمثل أولوية لهم بسبب التمييز ضد المسلمين فيها.
وأشار مقاتل إسلامي غير سوري في سوريا تم الاتصال به عبر الانترنت إلى التدخل العسكري الذي قادته فرنسا في مالي في غرب افريقيا عام 2013 لدحر متمردين إسلاميين فقال "فرنسا ظنت أنها انتصرت في مالي. لم ينس الإخوة ما حصل في مالي. هذه بداية فقط. الغرور الفرنسي ودعمه للطغيان زاد في الأمر. الإخوة متحرقون للرد على اللي صار فيها." وكانت باريس قالت إن هؤلاء المتمردين قد يشنون هجمات في أوروبا.
قالت فرنسا إن ثلاث خلايا جهادية نسقت فيما بينها هجمات يوم الجمعة على حانات وقاعة للحفلات الموسيقية واستاد لكرة القدم. وقال مدعون إن العملية اشترك فيها فيما يبدو فريق من جنسيات متعددة له صلات بالشرق الأوسط وبلجيكا وربما ألمانيا بالإضافة إلى فرنسيين. وتعاني الدولة الاسلامية من تزايد الغارات الجوية التي يشنها تحالف تقوده الولايات المتحدة وروسيا على قواعدها ومعسكرات تدريب مقاتليها وعلى مسؤوليها. كما تعرضت تركيا لضغوط دولية لتشديد الرقابة على حدودها لوقف سيل المقاتلين الأجانب الساعين للانضمام لصفوف الدولة الاسلامية. وفي نشيد شهير تبثه الجماعة كثيرا في تسجيلاتها المصورة بعد الهجمات بعنوان "قريبا قريبا" تعد الجماعة بخوض معركة طويلة تضرب فيها في قلب كل من يعارضها. وتقول كلمات النشيد: "قريبا قريبا ترون العجيب صراعا رهيب وسوف ترى. بعقر ديارك تكون المعارك لأجل دمارك حسامي انبرى. مشينا بجز ونحر بسكين ثأر سمت منحر. بدأتم قتالي بحلف الضلال فذوقوا وبالي. طويلا ستبقى بحربي سوف تشقى. إليكم سنأتي بذبح وموت. ذوقوا الخسارة."
وتزايدت مشاعر العداء للغرب بصورة كبيرة بين أنصار الدولة الاسلامية بعد أن بدأ التحالف ضرباته في سوريا والعراق. ويقول أنصار التنظيم إنهم لن يتزحزوا عن موقفهم. وقال أحد مؤيدي التنظيم "ما لا يفهمه العالم أن مناصري الدولة وجنودها يعملون عن عقيدة. والذي لديه مثل هذه العقيدة ممكن يعمل أي شيء. هل يظنون أنهم يمكن أن يهزموا عقيدة أو انسان مؤمن حقيقي؟ كلما زادت هجمتهم على الإسلام .. الاسلام الحقيقي .. كلما زاد ايماننا واشتد ولاؤنا للخليفة." وأضاف "أنصار الدولة لا يخافون من التراجع ويتفاءلون بالتقدم. كيف يمكن أن يهزم من يرى أنه من الفرقة الناجية والطائفة المنتصرة. الدولة لا تتحدث عما ستقوم به غدا. ولكنها أخبرت العالم أنه سيأتي الرد والعقاب. إذن سيأتي."