رمى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أمس، كرة إحدى معضلات الأزمة السورية في ملعب الدول الداعمة للمعارضة، إذ طالبها بتحديد الجماعات الإرهابية وتلك التي توصف بأنها «معتدلة» قبل إطلاق جولة جديدة من المحادثات بين السلطة والمعارضة. وبعد 12 يوماً من سيطرة تنظيم «داعش» على جزء من طريق خناصر ـ أثريا، ما أدى إلى ارتفاع كبير بأسعار المواد الأولية في حلب، أنهى الجيش السوري عمليات فتح طريق خناصر بعد سيطرته على التلال الثلاث التي كانت متبقية وعلى قرية مراغة الإستراتيجية بين خناصر وأثريا، الأمر الذي فتح طريق خناصر الذي يمثل «شريان الحياة» الوحيد إلى حلب وطريق الإمداد الاستراتيجي للمدينة.
وأكد مصدر عسكري، خلال حديثه إلى «السفير»، أن قوات الجيش السوري، والفصائل التي تؤازره، تقوم بعمليات تمشيط لطريق خناصر وتأمين محيطه بعمق نحو 10 كيلومترات وتفكيك العبوات التي زرعها مسلحو «داعش» تمهيداً لافتتاحه وتسيير الرحلات عليه، موضحاً أن «مسلحي التنظيم تركوا عشرات العبوات الناسفة التي تقوم وحدة الهندسة العسكرية بتفكيكها». وتأتي هذه التطورات في وقت تقترب فيه قوات الجيش السوري والفصائل التي تؤازرها من فك الحصار عن مطار كويرس العسكري شمال مدينة حلب، بعدما تمكنت قوات الجيش من اختراق تحصينات تنظيم «داعش» في قرية الشيخ أحمد التي تبعد أقل من 3 كيلومترات عن المطار، المحاصر منذ نحو ثلاثة أعوام. (تفاصيل صفحة 8) وأعلن لافروف، في مؤتمر صحافي مشترك مع المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا في موسكو، أن هناك مهمتين أمام اللاعبين الخارجيين في تسوية الأزمة السورية. وقال «أجرينا تبادلاً بنّاءً بوجهات النظر حول كيفية المضي قدماً في الطريق الذي تبين في فيينا». وأضاف «وضعنا أمامنا مهمتين: الأولى تطوير الفهم المشترك بشأن المنظمات التي تعتبر إرهابية، وقد اتفق الجميع على ضرورة تحديد هذه القائمة. والمهمة الثانية توضيح ما هي المعارضة المعتدلة، التي يمكن خوض الحوار معها، ومع من سيجري مبعوث الأمم المتحدة الحوار، والآن علينا تنسيق هاتين القائمتين».
وقال لافروف «القضية التي طُرحت كوظيفة منزلية للأيام القليلة المقبلة، آمل ألا تأخذ وقتاً طويلاً، هي توضيح من تكون المعارضة المعتدلة التي يجب أن تصبح شريكاً في المفاوضات التي يعدّها دي ميستورا وفريقه في إطار التسوية السياسية للأزمة السورية». واعتبر أن «الحوار السوري - السوري الذي يستحق الثقة بتمثيله الشامل يجب أن يضم على طاولة المفاوضات كل طيف المجتمع السوري، بما في ذلك كل مجموعات المعارضة». وشدد على أن «اللاعبين الخارجيين المؤثرين على فصائل المعارضة يجب أن يستخدموا هذا التأثير لتشكيل وفد معارضة موحد يفكر بمصير بلده». وأكد لافروف أن موسكو «تدعم بشدة جهود دي ميستورا، الذي باشر بالمهمة بعد اجتماع فيينا مباشرة». وقال «أكدنا تضامننا الكامل مع وثيقة فيينا وبيان جنيف من العام 2012»، وأن «روسيا تؤيد جهود دي ميستورا الذي باشر مهمته للتحضير لبدء الحوار السوري - السوري في أسرع وقت». وتابع لافروف «يمكن النقاش لفترة طويلة حول أي جزء من النسيج السوري يدعم الرئيس السوري (بشار الأسد)، وأي جزء يرغب في رحيله. لكن السبيل الوحيد لإجراء تجربة التقييمات المختلفة يكمن في تعبير الشعب عن إرادته».
من جهته، شدد دي ميستورا على أنه يجب عدم خسارة الوقت في تسوية الأزمة السورية. وقال «الشعب السوري يريد أن يرى مخرجات محددة من اجتماع فيينا. يريدون أن يشهدوا تراجع العنف، بالإضافة إلى بدء العملية السياسية. ويجب أن نعمل على ذلك بسرعة، ناهيك عن دستور جديد وانتخابات جديدة». وأضاف «أعتقد أنه يمكننا جميعاً أن نتفق، على أنه في الوقت الراهن لدينا اتفاق فيينا، هناك خلافات، ونحن بحاجة لمعالجة القضايا المستقبلية، لأن السؤال الخاص بالحكومة متعلق بالسوريين فقط، والعملية السياسية هي ما نريده أن يتم». وأعلن دي ميستورا، الذي سينتقل من موسكو إلى واشنطن، أن الأمم المتحدة مستعدة لعقد لقاء بين ممثلين من الحكومة والمعارضة السورية لإجراء محادثات في جنيف. وقال «نحن مستعدون، الأمم المتحدة مستعدة، لبدء هذه العملية فوراً في جنيف، في أسرع وقت ممكن». وأضاف «سنسأل ممثلي الحكومة والمعارضة»، مشيراً إلى أن المحادثات يجب أن تبدأ من دون شروط مسبقة من الطرفين. وبحث لافروف، في اتصال هاتفي مع نظيره الأميركي جون كيري، «إمكانيات الحصول على دعم دولي لتسوية الأزمة السورية على أساس حوار وطني، بما في ذلك دعم تشكيل وفد مشترك من المعارضة السورية لإطلاق حوار سياسي وطني مبكر وتوحيد المواقف في مكافحة الإرهاب». وذكر الكرملين أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس التركي رجب طيب أردوغان أجريا اتصالاً هاتفياً تبادلا خلاله الآراء بشأن الأزمة السورية في ضوء اجتماعات وزارية جرت في فيينا الأسبوع الماضي. وأضاف أن الجانبين أكدا استعدادهما لمواصلة حوار سياسي.
إلى ذلك، أكد مستشار مرشد الجمهورية الإسلامية في إيران آية الله علي خامنئي للشؤون الدولية علي أكبر ولايتي، خلال لقائه نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، أن طهران ترفض أي تعاون مباشر أو غير مباشر مع واشنطن حول سوريا. وجدد أن بلاده «لا تقبل بأي مبادرة لا تقبل بها الحكومة والشعب السوريان»، فيما أعلن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أن «الشعب السوري وحده يقرر مستقبله بنفسه ويجب عدم فرض أي شيء عليه».
وقالت مساعدة وزير الخارجية الأميركي لمنطقة الشرق الأوسط آن باترسون، أمام لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس، إن «ما بين 85 و90 في المئة من الضربات التي نفذتها روسيا في سوريا أصابت المعارضة السورية المعتدلة». وأضافت «منذ بدء الضربات الروسية في سوريا، نزح ما لا يقل عن 120 ألف سوري، نتيجة العمليات الهجومية للنظام مدعومة بضربات جوية روسية في محافظات حماه وحلب وادلب». وأعلنت أن الرئيس الأميركي باراك أوباما يدرس اتخاذ سبل إضافية «لتكثيف» الحملة ضد «داعش». وقالت مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون أوروبا وأوراسيا فيكتوريا نولاند «روسيا تنشر مدفعيتها ومعدات أرضية أخرى حول حماه وحمص، ما يزيد بدرجة كبيرة من تعرض الجنود الروس لهجمات مضادة». («السفير»، «روسيا اليوم»، «سبوتنيك»، ا ف ب، رويترز، ا ب)