الإندبندنت: خيبة كاميرون أمام مجلس العموم مذلة ومهينة
مع استمرار تبدل المواقف تجاه الضربة العسكرية التي تنوي الولايات المتحدة تنفيذها وصفت صحيفة "الإندبندنت" البريطانية خيبة أمل دايفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني من مجلس العموم البريطاني الذي صوت ضد المشاركة العسكرية في سورية بـ"الخيبة المهينة والمذلة".
وكتبت الصحيفة في عدد 30-8-2013تقول:
أكثر من الهزيمة.. كان مثيرًا للضحك أن وزير الدفاع البريطاني نسي اسم الرئيس الذي كان سيهاجمه فقال مرتين إنه سيمنع صدام حسين من استخدام الأسلحة الكيميائية.
"بريطانيا تعتبر الأكثر قربًا لأميركا في أوروبا، معها اجتاحت العراق بناء على كذبة أسلحة الدمار الشامل، ولا يريد نوابها العماليون وبعض المحافظين تكرار الخطأ طالما أن لا شيء يؤكد حتى الآن قطعيًا أن الجيش السوري استخدم أسلحة كيميائية.
والضربة الأخرى جاءت من ألمانيا، فهذه الدولة التي تعتبر المحرك الأبرز في الاتحاد الأوروبي قالت على لسان وزير خارجيتها "لا للمشاركة العسكرية" يمكن أن يتخيل المرء صدمة الحليف الفرنسي فرانسوا هولاند المصر على الحرب.
إيطاليا أيضًا دعت لإعطاء المفتشين الدوليين مزيدًا من الوقت، وإسبانيا طالبت بأسس قانونية لأي حرب مقبلة.. إذًا القسم الأكبر من أوروبا لا يريد الحرب الآن ولو أضيف إلى ذلك روسيا والصين وعدد من دول العالم الأخرى والرأي العام المناهض في أميركا نفسها يتبين أن لا أحد غير أميركا وإسرائيل وفرنسا، التي بدأت تظهر في برلمانها اعتراضات جدية حيال العدوان على سورية.
الواضح أن التهديدات الإيرانية والاستعداد السوري أخذا على محمل الجد، تمامًا كما أن غموض حزب الله واستعداداته أخذت بعين الاعتبار، وصلابة الروس والصينيين في رفض أي عمل عسكري أضيفت إليه تحركات عسكرية روسية في المتوسط كل ذلك دفع إلى العودة إلى خيار التشاور، خصوصًا بعدما تبين أنه حتى الضربات المحدودة مرفوضة.
لاشك أن مبدأ العدوان لا يزال قائمًا والبعض يتحدث عن احتمال حدوثه مباشرة بعد مغادرة المفتشين الدوليين (اليوم) السبت، ولكن المشاورات السياسية تتكثف والاحتمالات جميعًا قائمة وإن الشيء المؤكد أن أي عمل ستقوده أميركا بعد ما حصل في البرلمان البريطاني أمس سيبدو خرقًا فاضحاً للشرعية الدولية، ولعل هنا بالضبط يكمن الآن مأزق باراك اوباما؛ فإن اعتدى على سورية لا يعرف حجم الرد، وستسوء صورته في العالم أكثر، وإن أحجم فإن المحور الآخر يكون قد حقق نصرًا استراتجيًا جديدًا ضده، لعله ولمفارقات القدر بات وأكثر من أي وقت مضى بحاجة لمخرج مع الروس، وربما أيضًا مع الإيرانيين.
يرى بعض المراقبين أن السيناريو الأميركي للحرب أكثر تعقيدًا مما يبدو للمؤيدين للعدوان الأميركي (واحد من كتّاب أمراء النفط عقد مقارنة بين ترحيبه بضرب سوريا وبين قبول لينين على مضض باتفاق «برست _ ليتوفسك»، لكنه نسي أن يخبرنا من يكون لينين في مقارنته تلك: الأمير خالد بن سلطان أم الأمير بندر بن سلطان؟). لا تنوي أميركا باعترافها هي أن تُنهي النظام السوري أو أن تقاتله حتى النهاية، أي حتى إسقاطه.
وحتى السيناتور بوب كوركر (الجمهوري الأرفع في لجنة العلاقات الخارجيّة في مجلس الشيوخ) كان صريحًا في قوله إنّ الضربة الأميركيّة «لا يجب أن تهدف إلى تغيير ديناميكيّة الحرب السورية الأهليّة الكبرى»، بالحرف. والجمهوريّون في الكونغرس من أمثاله يكونون عادة من المزايدين في مناشدة الرئيس لاستعمال قوّة أكبر وعنفًا أوسع. لكن الدعوات بين الحزبين تتلاقى في التركيز على ضرورة حصر الضربات في أهداف مركّزة مع الإصرار على عدم تغيير النظام بالقوّة.
أميركا لا تريد أن يختلّ ميزان القوى في الصراع السوري. وقصّة استعمال السلاح الكيميائي أتت في سياق تغيير حاسم في الحرب السوريّة لمصلحة النظام، وباعتراف القوى المعادية للنظام حول العالم. والمعارضة المسلّحة عانت في الأسابيع الماضية نكسات عسكريّة متوالية في مناطق مختلفة من سوريا.
وكان محتمًا أن هذا الاختلال في موازين القوى لن يروق واشنطن التي ستسارع إلى تغييره بطريقة أو أخرى. وهناك طريقتان لتغيير موازين القوى: إما في ضرب قوّات النظام أو في تكثيف الدعم العسكري لقوى المعارضة الُمسلّحة. لكن القادة العسكريّين في القوات المُسلّحة الأميركيّة كانوا واضحين في شهادتهم أمام الكونغرس عندما اعترفوا بأن أيًّا من أطراف النزاع السوري ليس صديقًا لأميركا. وقد قتّرت أميركا في مساعداتها «العسكريّة» لقوى المعارضة حتى بعد إعلانها عن رفع الحظر عن تسليح المعارضة.
لن تثق الولايات المتحدة بالمجموعات المسلحة على مختلف تسمياتها ولا بقدرتها على عدم تسريب الأسلحة المتطوّرة إلى الفصائل الجهاديّة، التي تعرف أميركا أنها ستتفرّغ لحرب ضد مصالحها حالما يسقط النظام. وهنا كان مكمنًا الخلاف أو الاختلاف في الموقف بين الطرف السعودي والطرف الأميركي: تسعى السعوديّة إلى فتح الباب أمام هزيمة النظام عبر دعم عسكري غير محدود لقوى المعارضة المُسلّحة. لكن عائقًا حال دون ذلك: لا تقوم السلالة القطريّة ولا السلالة السعوديّة بخطوة تسليحيّة في سوريا دون إذن أميركي، وأميركا صارمة في فرض مراقبة على التسليح السعودي والقطري خشية وصول بعضه إلى القوى الجهاديّة.
لهذا ستلجأ أميركا بشتّى الطرق إلى إعادة الميزان إلى نصابه عبر ضربات مباشرة أو غير مباشرة ضد قوّات النظام.