اجتماع باريس.. بحث عن دور أوروبي في التسوية السورية
اجتماع آخر لمناقشة تسوية الأزمة السورية تستضيفه العاصمة الفرنسية باريس الثلاثاء، يضم إضافة لفرنسا كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وتركيا والسعودية وقطر والإمارات والأردن.
ثمة تساؤلات عن مغزى الاجتماع الفرنسي هذا، مع توجه رباعية فيينا إلى توسيع اجتماعها ليشمل أطراف إقليمية وربما دولية هي نفسها المشاركة في اجتماع باريس، وهذا أعلنته واشنطن من أنها تناقش مع هؤلاء الشركاء انفسهم تنظيم اجتماع آخر بعد اجتماع باريس.
روسيا الحاضر الأكبر في الملف السوري، ومستودع العملية السياسية، غير حاضرة في اجتماع باريس، الأمر الذي يعني أن الاجتماع مخصص للخروج بموقف موحد لأهم الدول الداعمة للمعارضة السورية المعروفة باسم مجموعة "أصدقاء سوريا" بعد ما رشح عن اجتماع فيينا من خطة عمل قدمتها موسكو ولقيت موافقة مبدئية من واشنطن والرياض وتركيا حول عناوينها العريضة، باستثناء مستقبل الأسد.
تهدف باريس للخروج بموقف موحد لا يكون بديلا عن الخطة الروسية، وإنما بمثابة استكمال لها بحسب ما يمكن فهمه من تصريح وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس "لقد وجهت دعوة إلى أصدقائنا الألماني والبريطاني والسعودي والأمريكي وآخرين لعقد اجتماع الأسبوع المقبل في باريس في محاولة لدفع الأمور قدما". وليس صدفة أن يأتي هذا التصريح في اليوم ذاته لانعقاد اجتماع فيينا الأسبوع الماضي، ويبدو واضحا أن باريس تسعى إلى وضع لمسات القوى الدولية والإقليمية الداعمة للمعارضة السورية على الخطة الروسية، بحيث تكون صيغة الاتفاق النهائي مرضية للجميع، وربما اختيار الأردن والإمارات للمشاركة في الاجتماع، (لديهما مواقف معتدلة مقارنة بالفرقاء الإقليميين الآخرين) يشير إلى محاولة باريس ضمهما إلى جانبهما بعدما لمست تقاربا في مواقفهما من الطرح الروسي.
وتستفيد باريس من التفاهم الألماني الفرنسي البريطاني حول مصير الأسد، فباريس تؤكد على لسان رئيسها ووزير خارجيتها أن الأسد جزء من المشكلة لا جزءا من الحل وأن لا حل في ظل وجوده، وألمانيا تعلن عشية اجتماع باريس أنها لا تتخيل أي سيناريو يلعب فيه الرئيس السوري بشار الأسد دورا في حكومة انتقالية بسلطات تنفيذية كاملة، وبريطانيا تؤكد أن الأسد لا دور له في مستقبل سوريا. لكن المشكلة التي تواجهها باريس في الاجتماع هو الولايات المتحدة التي تحضر الاجتماع بشخص أنطوني بلينكن نائب وزير الخارجية، حيث ترى باريس والعواصم الأوروبية أن واشنطن تميل للطرح الروسي الجديد بمجمله تقريبا خصوصا فيما يتعلق بعقدة الأسد والدور الإيراني في التسوية السورية.
وتحاول باريس ومعها ألمانيا، ثم بريطانيا إلى حد ما مع السعودية وتركيا وقطر إقناع الولايات المتحدة بخروج الأسد من المعادلة السياسية مع انتهاء المرحلة الانتقالية التي لم يتم الاتفاق عليها بعد، كما تحاول هذه الأطراف إقناع واشنطن بالتخلي عن الدور الإيراني في التسوية، كون طهران لم تقدم أية إشارات إيجابية عن رغبتها في دعم حل سياسي، بعدما أبدت واشنطن ميلا إلى إشراك إيران في العملية السياسية، حسبما أعلن المتحدث باسم الخارجية الأمريكية الذي قال "سيتعين في نهاية المطاف إشراك إيران في المحادثات بشأن انتقال سياسي في سوريا"، وما أعلنه كيري نفسه "في مرحلة ما ... نعلم أنه سيتعين إجراء مناقشات مع إيران قرب انتهاء انتقال سياسي هناك".
تسعى فرنسا إلى استعادة الدور الأوروبي في الأزمة السورية بعدما استبعدت أوروبا عن اجتماع فيينا، وشهدت الأيام الماضية حراكا فرنسيا واسعا على عدة صعد، أبرزها طرح مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي يدين استخدام الحكومة السورية للبراميل المتفجرة، ويدعو إلى وقف اللجوء إليها لأي حل سياسي لما توقعه من ضحايا لدى المدنيين، إرسال المدير السياسي لوزارة الخارجية إلى موسكو لمناقشة المقترحات الروسية، اتصالات مع المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا ستيفان دي ميستورا. تعكس هذه التحركات ومن ثم الدعوة إلى عقد اجتماع في باريس، مخاوف فرنسا من أية محاولة أمريكية ـ روسية لتخطي الدور الأوروبي، واقتصار دورها على تقديم المساعدات المالية فقط، وربما تكون كل هذه التحركات لأجل فرض الحضور الأوروبي على اجتماع فيينا الموسع المفترض عقده خلال أيام.
وبغض النظر عن نتائج اجتماع باريس، فإنه لن يخرج عن التفاهمات العريضة التي تمت بين موسكو وواشنطن لشكل ومضمون التسوية النهائية في سوريا، خصوصا أن أوروبا بدأت خلال الفترة الأخيرة تميل للطرح الروسي فيما يتعلق بالشق الميداني وضرورة إعطاء أهمية كبرى لمحاربة الإرهاب، ووقف المعاناة الإنسانية التي تخطت الحدود الجغرافية السورية. وبغض النظر عن التباينات البسيطة بين المواقف الأوروبية، حيال التعاطي مع الأزمة السورية، تبدو القارة الأوروبية، بمجملها، متفقة على إنضاج حل سياسي، يتوازى مع محاربة الإرهاب، من دون الدخول في تجاذبات دولية وإقليمية، من شأنها أن تؤزم الصراع أكثر مما هو عليه.
وتقوم المقاربة الأوروبية، على الجمع بين الموقفين الروسي والأميركي، أي لا مانع من بقاء الأسد ضمن المرحلة الانتقالية، إذا كان بقاؤه ضرورة لمحاربة الإرهاب، لكن من دون أن يعني ذلك أن الأسد جزء من مستقبل سوريا.