يؤكد متابعون لملف الأزمة السورية أن نتائج زيارة الرئيس بشار الأسد للعاصمة موسكو لن تظهر فورا، فهي قد تحتاج إلى أسابيع أو أشهر على المستويين السياسي والعسكري.
أن تحمل زيارة الأسد إلى العاصمة الروسية موسكو تغطية إعلامية واسعة، فهذا أمر طبيعي وجزء من العمل والممارسة السياسية، لكن أن يحاول البعض اختزال هذه الزيارة لأغراض إعلامية فقط، فهذا خروج عن القراءة السياسية الموضوعية للحدث الكبير. ليست القيادة الروسية بحاجة إلى دعاية إعلامية لإظهار دورها الهام في سوريا، سواء على الصعيد الأممي أو على الصعيد السوري الداخلي، فالنتائج السياسية والعسكرية للدور الروسي واضحة للجميع، وليست القيادة الروسية بحاجة أيضا لزيارة سرية للأسد من أجل تقديم الشكر، فموسكو بحسب رئيس الحكومة دميتري ميدفيدف تدافع عن مصالحها القومية في سوريا لا عن أشخاص بعينهم. العاصمتان السورية والروسية تعتمدان المقاربة السياسية الكلاسيكية، وهي أن الحرب امتداد للسياسة وإن بوسائل أخرى، بمعنى لا توجد حرب لأجل الحرب، وإنما هدف الحرب هو تحقيق النتائج السياسية المطلوبة. بوتين كان واضحا حيال هذه النقطة عندما أعرب أمام الأسد عن أمله في أن توفر التطورات على الجبهة العسكرية في سوريا قاعدة لحل سياسي طويل الأمد تشارك فيه كل القوى السياسية والجماعات العرقية والدينية، وهو ما أكده المتحدث الرسمي باسم الكرملين دميتري بيسكوف أيضا، حين أكد أن "التسوية السياسية ستبدأ فور الانتهاء من مرحلة محاربة الإرهاب".
ولم يمض يومان على زيارة الأسد حتى أعلن سيرغي إيفانوف مدير الديوان الرئاسي الروسي أن "العملية العسكرية الروسية في سوريا تستهدف الإرهاب وليس السنة، وأنه في نهاية المطاف يجب تسوية الوضع في سوريا بالوسائل السياسية، ومن المستحيل تطبيع الوضع هناك بالوسائل العسكرية وحدها، بل يجب أن تجري هناك عمليات سياسية". لكن الأولوية الآن للميدان الذي شكل محور المناقشات التي تمت بين الأسد والقيادة الروسية بحسب الكرملين: مناقشة العمليات العسكرية الروسية في سوريا، وعمليات محاربة المجموعات الإرهابية والمتطرفة، والقضايا المتعلقة بمتابعة العملية العسكرية الروسية ودعم العمليات الهجومية للقوات المسلحة السورية، والتسوية السياسية. ويبدو أن المرحلة المقبلة ستشهد ارتفاعا في وتيرة المعارك، حيث تتوقع موسكو أن تحقق عمليتها العسكرية نتائج خلال الأيام أو الأسابيع المقبلة، خصوصا بعيد التفاهم الذي تم مع واشنطن لتجنب حدوث اشتباكات جوية بين البلدين فوق سوريا. وخلال اليومين الماضيين نفذ الطيران الروسي نحو مئة طلعة جوية، أصاب في يوم واحد أكثر من سبعين هدفا، في وقت نفذ الجيش السوري والقوات الداعمة له هجوما من محاور عدة مطلة على سهل الغاب الاستراتيجي، وهذه المحاور هي جب الأحمر، كتف الغنمة، كتف الغدر، مغيرية، قلعة ترتياح، ضاحية سلمى، تلة كفردلبة.
لدى موسكو ثلاثة أهداف: ـ القضاء على جيوب تنظيم الدولة وسط سوريا وفي الشمال الغربي، وحصرهم في الشرق والشمال الشرقي، وهي المرحلة الثانية من العملية العسكرية الروسية.
ـ دعم الجيش السوري كي يتمكن من استرداد المناطق في ريف حماة الشمالي وريف اللاذقية الشرقي والشمالي، وريف حلب، ثم محافظة إدلب، وهي مهمة يدرك الروس أنها صعبة جدا في ظل الدعم العسكري الذي تحصل عليه الفصائل المسلحة من تركيا والسعودية وقطر.
ـ تحريك العملية السياسية بعد ظهور نتائج الميدان، حيث دعت موسكو إلى اجتماع رباعي في فيينا يضم وزراء خارجية روسيا والولايات المتحدة والسعودية وتركيا، وتسعى روسيا إلى إقناع الطرفين التركي والسعودي خصوصا بحل سياسي خارج معادلة إسقاط الأسد قبيل انتهاء معركة الإرهاب، لكن يمكن البدء بخطوات عملية مبدئية عبر تشكيل حكومة وحدة وطنية تشارك فيها بعض أطراف المعارضة بقوة، لا سيما هيئة التنسيق التي تحظى بثقة موسكو.