هل تفلح الجهود الدبلوماسية في اجتراح معجزة بوتين السورية؟
.
تبادلت موسكو وواشنطن الإشارات حول ضرورة التوصل إلى تسوية سياسية للأزمة السورية بمشاركة الأطراف الإقليمية لتجنب الأسوأ. فمن جهة شدد رئيس الوزراء الروسي دميتري مدفيديف منذ أيام في تصريح لقناة "روسيا 24" على أنه "لا بد من مناقشة القضايا السياسية بين روسيا والولايات المتحدة تحديدا، وبين جميع الدول المعنية بإحلال السلام في المنطقة وفي سوريا، بما يخدم بروز سلطة طبيعية هناك". ولفت مدفيديف إلى أن موسكو لا تقاتل لصالح قادة محددين "وإنما ندافع على مصالحنا القومية، ومسألة الرئاسة أمر يحدده السوريون ... لا نريد أن يحكم تنظيم "الدولة الإسلامية" الجمهورية العربية السورية، والسلطة هناك يجب أن تكون حضارية وشرعية.. هذه هي الأشياء التي لا بد من بحثها".
ومن جهة أخرى كما يبدو، أن واشنطن تلقفت الدعوة ولم يتأخر الرد الأمريكي هذه المرة وأعلن وزير الخارجية جون كيري أنه اقترح عقد لقاء دولي حول سوريا بمشاركة روسيا والسعودية والأردن وتركيا، وذلك بعد عودته إلى أوروبا الأسبوع المقبل. عقبها وجهت روسيا إشارتين إيجابيتين تعززان فرص الاجتماع عندما أكدت الخارجية الروسية أنها تدرس اقتراح كيري، فيما قالت رئيسة مجلس الاتحاد الروسي "فالنتينا ماتفيينكو" إن موسكو تفضل دائما إجراء محادثات بأي شكل من الأشكال بخصوص سوريا، وأضافت أن موسكو تؤيد دائما " إجراء محادثات بأي شكل ونعتقد أن المحادثات مهمة للغاية من أجل بناء الثقة والتوصل لتسوية". فيما كشف مصدر دبلوماسي لوكالة تاس لاحقا أن "الوزراء سيرغي لافروف وجون كيري وعادل الجبير سيجتمعون قريبا في فيينا لبحث سبل دفع العملية السياسية في سوريا قدما إلى الأمام".
نقاط التوافق والخلاف
التطورات المتسارعة تأتي بعد نحو ثلاثة أسابيع على الغارات الروسية المتواصلة ضد تنظيم "داعش" والنصرة والكتائب الإسلامية في عدة مناطق في سوريا. وبعيدا عن الحرب الإعلامية التي رافقت الغارات الروسية، فإن قراءة أولية للتصريحات والمواقف الأمريكية والروسية في الآونة الأخيرة تكشف أن الجانبين يتوافقان على عدد من النقاط أولها محاربة تنظيم "داعش" والمحافظة على بنيان الدولة السورية، ومنع انفلات الأوضاع إلى حرب إقليمية واسعة، ووقف موجات اللجوء من سوريا باتجاه تركيا ولاحقا أوروبا، وفي المرحلة النهائية فإن الجانبين يتوافقان على ضرورة إيجاد حل سياسي للأزمة السورية يمكن السوريين من العيش تحت سلطة حضارية.
لكن هذا لا يعني التخفيف من نقاط الاختلاف وعلى رأسها مصير الرئيس السوري بشار الأسد رغم بعض الليونة الغربية بشأن مشاركة الأسد في الفترة الانتقالية.
ومنذ عقد مؤتمر جنيف الأول صيف العام 2012 مازال موضوع مساهمة إيران في الحل محط خلاف بين الجانبين، فروسيا تعتبر مشاركة طهران ضرورية وأنها جزء من الحل، فيما تبدي واشنطن تصلبا بدفع من حلفائها في السعودية والخليج التي باتت تنظر إلى إيران كمحتلة للأراضي السورية ويجب محاربتها حسب تصريحات وزير الخارجية السعودي عادل الجبير أمس. وفيما ترى موسكو أن تدخلها في سوريا شرعي وجاء بطلب من سلطات دمشق وبالتنسيق معها تعتبر أن التدخل الأمريكي الذي جرى من دون أخذ موافقة السلطات السورية لم يصل إلى النتيجة المتوخاة رغم تواصله منذ أكثر من عام.
اجتراح "معجزة" بوتين
وإذا انطلقنا من أن السياسة هي فن الممكن، فإن موسكو وواشنطن يمكن أن تتوصلا بمشاركة الأطراف الإقليمية إلى حل يمنع تصادم القوتين العظميين، ويؤسس لتسوية سياسية في سوريا بعد أكثر من أربع سنوات على الحرب، ووصول لهيبها إلى الجيران، وربما إلى أماكن أبعد مع توسع "داعش". وفي هذا الإطار فإن اللقاء الخماسي بين وزراء خارجية البلدين وتركيا والأردن والسعودية يمكن أن يرسم خريطة طريق تعتمد على إزالة اللبس واختلاف التفسيرات حول "جنيف واحد" تمهيدا لمؤتمر "جنيف 3" أو ربما أبعد من ذلك.
ولا بد من تذكر كلمات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين جيدا عندما أطلق مفاجأة من العيار الثقيل وأطلق مبادرة لتشكيل تحالف إقليمي واسع بين دمشق والعواصم الإقليمية لمحاربة الإرهاب، حينها أعلن وزير الخارجية السوري وليد المعلم أنه يدرك قدرة الرئيس بوتين على اجتراح معجزة مع التساؤل عن إمكانية تحقيق معجزة التحالف بين سوريا ومع من صدر لها الإرهابيين.
واليوم يبدو أن سياسة الإشارات والخطوات الصغيرة المتتابعة وتعزيز الثقة يمكن أن تحدث ما كان يوصف بمعجزة، فالثابت الوحيد في السياسة هو التغيرات بما يتلاءم مع ظروف كل مرحلة.