وفي مقابلة له مع جريدة "الأخبار"، يؤكّد السفير الروسي ألكسندر زاسبيكين أن المشاركة العسكرية لبلاده في سوريا منعت الإرهابيين نهائياً من الدخول إلى العمق اللبناني عبر حمص، ويختصر العمليات العسكرية الروسية، على أهميتها الاستراتيجية، بأنها تمهيد للحل السياسي بعد «تنظيف الحقل من الإرهابيين». الزحمة التي تُطَّوِق الشوارع المحيطة بمبنى السفارة الروسية في بيروت، يقابلها هدوء تام في المبنى الأثري القديم بعد ظهر يوم الجمعة. لا دوام في السفارة بعد الظهر.السفير الروسي ألكسندر زاسبيكين بثياب «السبور» يرتاح من عبء البذلة الرسمية. برغم المخاطر الأمنية المحدقة بالسفارة، بعد المشاركة العسكرية الروسية المستجدة في سوريا، لا يظهر للعيان تغيير لافت في الإجراءات الأمنية، المشدّدة أصلاً، فيما يؤكّد المسؤولون هنا، بكثير من الطمأنينة، «حصانة السفارة». العلم الأحمر والأزرق والأبيض على يمين زاسبيكين يكسر الألوان الترابية للمفروشات الخشبية الروسية المزخرفة في «الصالون». كل شيء هنا يستحق الملاحظة: المفروشات، أواني الضيافة، المكتبة، والأسلحة «الغريبة» التي يحملها عناصر حماية السفارة من القوات الخاصة الروسية. هي ليست مقابلة، إنّما «تفكير بصوتٍ عالٍ»، كما يحلو لسفير روسيا الاتحادية وصفها. يقول زاسبيكين إن بلاده اتخذت قرار المشاركة في الحرب لأن «سوريا دولة مفتاحية في المنطقة والإقليم». دور «التحالف الدولي» الذي تقوده الولايات المتحدة تحت عنوان قتال «داعش» في سوريا والعراق «ثبت أنه من دون حيوية». يؤكّد أن روسيا طرحت مراراً ضرورة القيام بحملة جوية وبرية بالتعاون مع الحكومة السورية لمكافحة الإرهاب، إلّا أن الغرب رفض، «لذلك دخلنا في عملية متكاملة لمحاربة الإرهاب. وطالما أن العملية ضد الإرهاب، فإن انتصارنا ينعكس تأثيراً إيجابياً كبيراً في المنطقة والعالم. لقد تحمّلنا المسؤولية». ماذا عن مواقف الدول الإقليمية من الخطوة الروسية؟ ينظر السفير، بكثير من الاستغراب، إلى مواقف الدول «المؤيدة للإرهاب» كما يصفها. «هل يقفون ضدّ الإرهاب أم ضد مكافحة الإرهاب؟»، يسأل زاسبيكين والبسمة ترتسم على شفتيه، «إذا كانوا ضد الإرهاب فعليهم أن يوافقوا على التجديد لمؤتمر جنيف». يشرح السفير اختلاف الرؤية بين موسكو والدول «الداعمة للمعارضة السورية»، «حول النظام السوري والرئيس بشار الأسد. برأينا هذا الاختلاف بسيط إذا اتفقنا على محاربة الإرهاب». ويلفت إلى أنه «بعد التجربة العراقية والليبية، الجميع يقول إنه مع الحفاظ على الدولة السورية ومؤسساتها، أي الجيش والقوى الأمنية والدولة». لذلك «لا بد من التسوية في إطار الدولة، وليس تسليم السلطة من الدولة للمعارضة، بل الوصول إلى حلّ مشترك بين الدولة والمعارضة». كيف ترى روسيا المعارضة المسلحة؟ السؤال في حدّ ذاته مدعاة سخرية عند السفير. «جزء كبير من المعارضة المسلحة إرهابي»، والجزء الآخر «معارضة معتدلة كما يسميها الغرب ودول إقليمية». يقول ضاحكاً: «سألناهم أين المعارضة المسلحة المعتدلة ليدلونا عليها، والوزير (سيرغي) لافروف سألهم عن المعارضة المعتدلة. هناك مئات الفصائل المسلحة وبعضها مصنّف غربياً كإرهابيين، وبعضها لا اتفاق عليه، لكن في المجمل، الإرهابيون، منهم من يذبح أمام شاشة التلفزيون ومنهم من يذبح في الظلّ. وبالنسبة إلى الدولة السورية من يحمل السلاح ضدها فهو عدو، ونحن لم نقل يوماً إننا ضد داعش فقط، فالإرهاب ليس محصوراً بداعش ولم يبدأ مع داعش، والإرهابيون يتنقلون من فصيل إلى آخر. يتهموننا بأننا ضد المعارضة الإرهابية والمعتدلة. هذا ليس صحيحاً. نحن نؤمن بأنه يمكن أن تقوم بعض الفصائل غير المتطرفة بالقتال إلى جانب الدولة السورية ضد المتطرفين، وهذا يمكن أن يحصل. نحن مع المعارضة السياسية التي لا تطالب باسقاط الدولة». يرى الدبلوماسي أن التحريض الطائفي ضد روسيا مصدره الولايات المتحدة، « يحرّضون على روسيا أنها ضدّ الطائفة السنية، وهذا توجيه غربي. الإرهاب لا دين له ولا طائفة وروسيا دولة للجميع. ونحن منذ البدء قلنا إن سوريا دولة علمانية، ومستقبلها دولة علمانية موحدة، وقمنا بدور كبير لفرض هذا الأمر في مبادئ جنيف». يضيف: «البعض يرى أن من الأسهل التعامل مع كانتونات طائفية، ونحن لا نوافق على هذه الفكرة». هل يمكن القول إن الغرب يريد دويلات طائفية وروسيا تريد دولة علمانية موحّدة؟ «لا نريد اتهامهم بهذا، لكنّنا نسمع كلاماً وتصريحات من هذا النوع. الاتفاق في جنيف هو حول سوريا دولة موحدة علمانية». ويعطي مثالاً عن روسيا الاتحادية: «نحن دولة موحدة قوية ولدينا أقاليم جغرافية، في بعضها أغلبيات وأقليات، لكن ليس على أساس طائفي أو عرقي أو قومي. وسقوط الاتحاد السوفياتي كان كارثة لأنه حَوَّل 25 مليون روسي إلى أقليات في الدول المحيطة، لذلك فالتفتيت سيئ. نحن مع منح الجميع حقوقهم كمواطنين، ولكن ضمن دولة موحدة». وفي سياق الحديث عن الطائفية، يقول السفير إنه «لا بدّ للعرب من العودة إلى شعار العروبة، لأنه يجمع العرب بدل أن يقسمهم طوائف ومذاهب»، ويؤكّد أن «المطلوب المصالحة في العالم العربي بعد كل هذا الاقتتال وتجديد الاتفاق بين مكوّنات الشعب. مثلاً في سوريا يجب أن يحدث مؤتمر كبير للمصالحة». ماذا عن سايكس ــ بيكو؟ هل هناك تقسيم جديد تحت عنوان «بوتين ــ أوباما»؟ بالنسبة إلى الدبلوماسي الروسي هذا «كلام فارغ لتشويه الدور الروسي. لسنا مع تغيير سايكس ــ بيكو أو إعادة رسم خرائط المنطقة، لأنه في ظلّ التعقيدات الآن لن تنتهي النزاعات، يجب الحفاظ على حدود الدول في سوريا والعراق ولبنان واليمن». لا تغيب المبادرة الروسية حول التواصل السوري ــــ السعودي عن كلام زاسبيكين. يشير إلى أن علاقات روسيا بالسعودية متقدمة في مجالات عدّة، منها الاقتصاد ومكافحة الإرهاب، «لكن في الملفّ السوري لم يحصل تبدّل جذري. وهذا الأمر ليس بسبب السعودية وحدها، بل هو موقف تركيا والغرب على نحو عام. التواصل السعودي ــــ السوري كان ليكون مفيداً جداً. وروسيا لا تقيم وزناً للتصريحات التي تهاجم الرئيس السوري، فهذا كلام تكتيكي». ويؤكد أن «المطلوب تعديل في المواقف للعودة إلى جنيف. منذ البداية أكدنا أن لا تفوق عسكرياً لأي طرف، ولا بد من الحلّ السياسي. التدخل الروسي الآن يفتح الطريق أمام التسوية الحقيقية من دون الإرهابيين. ما نفعله الآن هو تنظيف الحقل قبل الزراعة لفتح المجال أمام الحوار الوطني والمصالحة الوطنية». هل سيسلّح الغرب والسعودية الإرهابيين لمواجهة روسيا في سوريا؟ يخفي السفير جوابه خلف الصمت لثوانٍ، قبل أن يجيب: «هذه الرهانات خاسرة». ماذا عن لبنان؟ الاتفاق بين الدولة السورية وروسيا للتدخل والمساعدة في مكافحة الإرهاب لا ينطبق على لبنان. بحسب السفير، «التدخل الروسي في سوريا جاء بطلب من الحكومة السورية، بينما لبنان في حلف أميركي آخر. اللبنانيون أحرار في اختيار التحالفات، ولم يطلب منا المساعدة حتى الآن». وحول تصريحات لافروف عن إمكان انتقال الأعمال الإرهابية إلى لبنان، يقول السفير إن «كلام وزير الخارجية هو كلام عام». ومع أنه لا ينفي احتمالات قيام الإرهابيين بأعمال أمنية لارباك الساحة اللبنانية، يجزم بأنه لم يعد باستطاعة الإرهابيين القيام بهجوم على لبنان والوصول إلى أعماقه نهائياً بعد التدخل الروسي، وخصوصاً عمليات القصف في حمص ومحيطها والرقة». ويلفت السفير إلى أنه «سمعت من كثير من اللبنانيين الذين أتحدث معهم عن وجود ارتياح للدور الروسي والعمليات الروسية في سوريا».