المرصد السوري المستقل

http://syriaobserver.org

من الإعلام
تصغير الخط تكبير الخط طباعة الصفحة
«أصدقاء روسيا» الأوروبيون: أعطوا بوتين فرصته في الحل السوري!

وسيم ابراهيم -  صحيفة السفير

داخل أروقة الأمم المتحدة، كانت الاتصالات جارية بكثافة. الهواتف ترن من دون توقف، والمبعوثون يجولون في لقاءات لم يخرجوا منها بوجوه منشرحة. الأمر طارئ، الهجمات الروسية استهدفت معاقل للمعارضة، منها مجموعات درّبتها وسلحتها واشنطن. إنه المحكّ الذي سيبيّن معدن الصداقة المزعومة، قوّتها، وإلى أي مدى يمكن الاتكال عليها.
كان المنتظر، بالحد الأدنى، أن يحضر ممثلون عن 11 دولة، شكلّوا ما يسمى نواة «مجموعة أصدقاء سوريا». كانوا عملياً يقفون خلف المعارضة السورية. برغم اللحظة الاستثنائية الروسية، وخسائرها على المعارضة في كل اتجاه، خاب أمل من تولّوا الاتصالات الاستنفارية: سبع دول لا غير! هذه الدول هي: الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، المانيا، السعودية، تركيا وقطر.
العمليات الروسية وضعت مجموعة الأصدقاء المقربين على مفترق، لتصير «مجموعة السبع». أمكن توقّع بعض المنسحبين، لمقدمات معروفة، لكن آخرين بدا اعتكافهم لافتاً بالفعل. لم تلبِّ نداء الاستنفار للتوقيع كل من: إيطاليا، الإمارات، الأردن ومصر.
مصدر أوروبي، على تواصل مستمر مع الخارجية الايطالية، قال لـ«السفير» إن موقف حكومة رئيس الوزراء ماثيو رينزي كان واضحاً تماماً حيال هذه القضية: «شرح ممثلو إيطاليا أن دولتهم لها موقف مختلف حيال روسيا، لا تشارك الآخرين موقف المواجهة معها»، قبل أن يضيف «ببساطة قالوا إن موقفهم يعني أنه لا يمكنهم التوقيع على هذا البيان، إيطاليا تنظر للدور الروسي بطريقة مختلفة».
اللافت أن بيان «مجموعة السبع» لم يحمل تلك النبرة القاسية جداً، قياساً بالصدمة التي أحدتثها الغارات الروسية على مجموعات مدعومة غربياً. لم يتضمن كلمات شجب وإدانة مباشرة، تبرّر جديّاً القلق من استعداء موسكو. اعتبر البيان أن الضربات الروسية تمثل «مزيداً من التصعيد، ولن تحقق سوى تأجيج التطرف والتشدد»، مطالباً روسيا بالتركيز على «داعش» ووقف عملياتها «على المعارضة والمدنيين فوراً».



الجميع الآن أمام واقع جديد: روسيا تقاتل في سوريا حتى إشعار آخر. هذا يرجّح أن تصدّع نواة أصدقاء المعارضة السورية لن يكون ظرفياً، ما دام أي بيان لها سيصطدم بما يجب قوله عن دور موسكو. هذا التطور يشكّل أكبر انحدار تعيشه «مجموعة أصدقاء سوريا». أول من أعلن ولادتها كان الرئيس الفرنسي السابق نيكولاي ساركوزي، بعدما استخدمت روسيا والصين الفيتو ضد مشروع قرار أممي قدمته باريس مع لندن لإدانة عمليات النظام السوري. بعدها، انعقد اول مؤتمر للمجموعة في تونس، في شباط 2012، معترفاً حينها بـ «المجلس الوطني السوري» بوصفه «الممثل الشرعي الوحيد للشعب السوري». لم يبقَ من الأصدقاء من يمكن جمعه الآن، ولم يبقَ منهم من يعترف، بالقول والفعل، بوحدانية التمثيل التي وُرِّثت لـ«الائتلاف الوطني المعارض».
انعكاسات ذلك لطالما كانت واضحة في مرايا السياسة الأوروبية المشتركة، مع جدالات لم تتوقف في عاصمتها بروكسل. التدخل الروسي، والموقف منه، أحدث «صدعاً جديداً» في الموقف الاوروبي المشترك. هذا ما يؤكده لـ«السفير» ديبلوماسي رفيع المستوى، واسع الاطلاع على المداولات الأوروبية. يشرح أن الانقسام الأوروبي حول طريقة التعاطي مع موسكو في الأزمة الأوكرانية، صارت ظلاله تغطي أيضاً الملف السوري. بات «المعسكر المعتدل» حيال روسيا يشكّل «تقريباً نصف دول الاتحاد الأوروبي».
بحسب شرح الديبلوماسي، يعتمد معسكر «الاعتدال» مرافعة قائمة على حجج عدة. البعض يعتبر أن التدخّل المباشر بهذا الزخم «يعطي روسيا أوراقاً أقوى، ما يعني إمكانية الانخراط معها للحصول على تنازلات أكبر من النظام» السوري. هؤلاء يدعمون موقفهم بالحديث عن «منافع» أن تكون روسيا «المحاور الأساسي الذي يجلس على الطرف المقابل»، بخصوص الملف السوري، وليس إيران التي يفرز تصدرها الصورة حساسيات عديدة.
بالنسبة لآخرين، فهم يحذرون من «الإفراط في انتقاد روسيا»، على اعتبار أن ذلك يصبّ في مصلحة «خطاب المنظمات المتطرفة التي تتحدث عن غزو صليبي، ولا تفرق بين روسي وأوروبي». إضافة إلى ذلك، يتساءل بعض الأوروبيين إن كان من الحكمة معارضة عمليات عسكرية «تجعل الحرب على داعش أكثر فعالية».
كل هذا يجعل الأوروبيين الآن يخوضون جدالات شاقة، محاولين الوصول إلى صياغة مشتركة لموقفهم من قضيتين أساسيتين: ما الذي يمكن قوله حول التدخّل الروسي، إضافة إلى مستقبل الرئيس السوري بشار الأسد.
لسان حال مؤيدي «الاعتدال» بات لا يمانع في أن تعطى روسيا الفرصة، ثم يمكن رؤية أي تسوية يمكن أن تجلبها إلى الطاولة ما دام التفاهم مع موسكو هو أنه «لا حل عسكرياً» يمكنه حسم الصراع. يذكرون أنه سبق لموسكو، حينما اقتضت الضرورة بالنسبة لها، أن جلبت الاتفاق على نزع السلاح الكيميائي، الأمر الذي وفّر سُلَّماً لواشنطن للنزول عن شجرة الضربات الجوية.
في سياق مواز، يقول المصدر الديبلوماسي إن السؤال الذي كان يحيط بالدور الروسي لطالما كان: هل هم قادرون على إلزام دمشق بتسوية ما، ثم هل هم راغبون بذلك. واقع التدخّل المباشر «أزال السؤال الأول، لأنها على الأقل باتت قادرة الآن، وهذا بالمبدأ يسرّع عملية الحل السياسي»، يوضح المصدر، مضيفاً أن «السؤال الآن هو هل هي راغبة بفرض تسوية، ثم أي تسوية لأن التدخل بالتأكيد يغيّر موازين القوى».
من جهة موسكو، هناك مؤشرات عديدة تدعم هذا الطرح. أول ذكر رسمي لاحتمال إجراء انتخابات برلمانية مبكرّة في سوريا، كجزء من الحل، خرج من موسكو لا من دمشق. عملياً، ما يدعو له الداعمون الاوروبيون لمنح موسكو فرصتها كاملة، هو انتظار ترجمة رسالة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المباشرة إلى حليفه السوري.
حينما أعلن إطلاق العمليات العسكرية، اعتبر بوتين أن «حلاً نهائياً وطويل الأمد في سوريا ممكن فقط على أساس الإصلاح السياسي وعلى أساس الحوار بين القوى الطبيعية في البلاد»، قبل أن يرسل «أمنيات» شخصية بالقول «أعرف أن الرئيس الأسد يدرك ذلك وجاهز لعملية كهذه. نأمل أنه سيكون فعالاً ومرناً ومستعداً للقيام بتسوية من أجل بلده وشعبه».
سياسي أوروبي منخرط في مناقشات الملف السوري، ويلتقي مختلف الفاعلين فيه، يقول لـ «السفير» إن روسيا «لم تكن لتتدخل أصلاً لولا أن التهديد لمصالحها وصل إلى المنطقة الحمراء». يتساءل بلهجة مشككة «هل هم هناك لإنقاذ الأسد أم لإنقاذ النفوذ الروسي؟»، قبل أن يوضح وجهة نظره بالقول «قبل تدخلهم كان ذهاب الأسد سيعني ذهاب النفوذ الروسي معه، أما الآن فيمكن لروسيا، حينما تريد، أن تقوم بتنظيم الانتقال السياسي بما يضمن الحفاظ على نفوذها».
المصدر الذي التقى مؤخراً مسؤولين خليجيين، ينقل تشكيكاً واضحاً بوجود «تفاهم نهائي» بين واشنطن وموسكو حول خطوتها السورية الكبيرة. يقول إن «الأميركيين حذروا روسيا من أنها تنزل في مستنقع. لكنهم ليسوا منزعجين من ذلك»، قبل أن يضيف «هم يراهنون على أن روسيا ستتورط، أكثر وأكثر، خصوصاً حينما تصل الأسلحة الأكثر تطوراً للمعارضة».
مع ذلك، البعض يشككون في أن موسكو راغبة، أو قريبة، من فرض التسوية. مسؤول أوروبي رفيع المستوى، قال رداً على أسئلة «السفير» إن الحديث عن خلافات أوروبية لا يلغي أن «ما هو واضح أن هناك إجماعاً (اوروبياً) على أن الأسد لن يكون جزءاً من الحكم المستقبلي لسوريا»، معتبراً أن «هذا ليس الخط الروسي في الوقت الحالي، لكننا نناقش معهم حتى نقرّب مواقفنا».

14:57 2015/10/10 : أضيف بتاريخ







 
المرصد السوري المستقل