قد تكون العملية العسكرية في ريف القنيطرة الشمالي المسماة «وبشّر الصابرين» آخر دليل على أن «الجبهة الجنوبية» ما زالت على قيد الحياة، ولم تتحوّل إلى جثة هامدة بعد. جميع المعلومات والمؤشرات الواردة من عاصمة الجنوب السوري تدلّ على أن هذه الجبهة قد دخلت في نفق مظلم، منذ أن رفعت «غرفة عمليات ألموك» يدها عنها، وقررت وقف تقديم الدعم لها. ونتيجة التجاذبات، التي تتعرّض لها الفصائل المسلحة التي وجدت نفسها على حين غرة شبه عاطلة عن العمل، بين محاولات الاستقطاب من قبل الفصائل المتشدّدة وبين الدخول في مصالحات مع الجيش السوري، يمكن القول إن «الجبهة الجنوبية» تشهد أول بوادر التفكك والانقسام، ومن غير المستبعَد أن تطرأ تغييرات جذرية على بنية فصائلها وطبيعة ارتباطاتها في الفترة المقبلة. وقد انعكس الواقع المستجدّ، بعد توقف «غرفة ألموك» عن العمل، سلباً على الأوضاع الأمنية والمعيشية في مجمل محافظة درعا، حيث سادت الخلافات بين الفصائل والأطراف المحلية الداعمة لها، الأمر الذي ظهر جلياً في تزايد عمليات الاغتيال والتصفية التي راح ضحيتها عدد لا بأس به من القيادات العسكرية و «القضائية والشرعية»، من أبرزهم قائد «لواء فجر الحرية» ياسر الخلف، ونائب رئيس «دار العدل» الشيخ بشار كامل النعيمي، ومحاولة اغتيال نائب قائد «جبهة أنصار الإسلام» أبو بلال الجولاني. كما أخذ سلوك بعض الفصائل يثير العديد من علامات الاستفهام حول أسبابه ودوافعه، ومن ذلك امتناع «حركة المثنى الإسلامية»، وهي من كبريات الفصائل في الجنوب، عن المشاركة في العمليات العسكرية الأخيرة، وهو ما لفت انتباه بعض النشطاء وأثار لديهم شكوكاً حول توجّه الحركة، وإمكانية أن تكون قد بايعت «تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـ «داعش» سراً، لاسيما أن «حركة المثنى» كانت اعتبرت سابقاً في بيان صادر عنها أن «البيعات» التي يحصل عليها التنظيم في مناطق سيطرته هي «بيعات شرعية». وقال ناشط إعلامي، لـ «السفير»، إنه «بعد توقّف غرفة ألموك وانقطاع المدد، انسحب عدد من القادة والمسلحين من ميدان المعارك وعادوا إلى حياتهم المدنية، بعد أن تخلّوا عن فكرة حمل السلاح نتيجة الإحباط الذي أصابهم»، مشدداً على أن غالبية هؤلاء القادة يسعى حالياً إلى إيجاد طريق له نحو مراكز اللجوء في أوروبا هرباً من تدهور الوضع الأمني، وخشية من أن يكون هدف عملية الاغتيال التالية». وأشار الناشط إلى أن «قائد فرقة أسود السنة المدعو أبو عمر زغلول وصل بالفعل إلى ألمانيا طالباً للجوء فيها». وفيما أكّد «مزمجر الشام»، وهو حساب شهير على «تويتر» ويحظى بمتابعة واسعة، أن عدداً من فصائل «الجبهة الجنوبية» بايع «أحرار الشام» سراً، وأنه سيتم الإعلان عن هذه البيعات في وقت لاحق، أعلن كل من «لواء صقور حوران» و «كتيبة مجد الإسلام» انضمامها إلى «جيش الإسلام» بزعامة زهران علوش. ولم يعد خافياً أن الحالة المادية المتردّية التي وصلت إليها بعض هذه الفصائل نتيجة قطع الدعم عنها، هي السبب وراء قيامها بمبايعة هذا الزعيم أو ذاك، ولكن لا يمكن إنكار التأثيرات الخارجية في بعض هذه البيعات، لاسيما أن بعضها جاء بعد عودة قادة الفصائل من رحلة الحج التي دعتهم إليها الاستخبارات السعودية.
قائد "لواء أحرار نوى" عبدالله القراعزة اثناء تأديته الحج
لكن بعض قادة الفصائل والمسلحين، وحتى بعض الفعاليات المدنية، وجدوا لأنفسهم طريقاً آخر غير رصاصة الاغتيال أو ورقة اللجوء أو الانزلاق إلى قاع التنظيمات الإسلامية المتشدّدة، وهو طريق المصالحة مع الجيش السوري. وفي هذا السياق سلّم عشرات المسلحين أنفسهم إلى الجهات المختصة في محافظة درعا، السبت الماضي، لتسوية أوضاعهم. وأشارت وكالة الأنباء السورية ـ «سانا» إلى أن 250 مطلوباً وأكثر من 450 مسلحاً سلّموا أنفسهم وأسلحتهم الخفيفة والمتوسطة، والتي شملت صواريخ «لاو» ورشاشات «بي كى سى» ومدفع «بي ـ 90» و332 بندقية حربية وقناصات ومسدسات وذخيرة، إلى الجهات المختصة لتسوية أوضاعهم، في حين قامت الجهات المختصة بتسوية أوضاع نحو 43 موقوفاً في إطار المصالحات الوطنية. وفي السياق ذاته كان وجهاء وفعاليات من مدينة الحراك بدرعا يعتزمون التوجّه نحو مدينة إزرع لمقابلة الجهات المختصة ومفاوضتها على شروط لعقد المصالحة بينهما، إلا أن مسلّحي الكتائب، ومن بينها «أنصار الإسلام»، اعترضوا طريق الحافلة التي كانت تقلّهم واعتقلوا الوجهاء والفعاليات. وقد لاحظ العديد من النشطاء المعارضين والموالين تغيّر المزاج العام بين المدنيين في درعا، وميل نسبة معتبرة من بينهم إلى قبول المصالحة مع الجيش السوري، بل المطالبة بها والدفع نحو إجرائها بغض النظر عن الشروط المتضمَّنة فيها، وذلك بعد أن وصلت الأوضاع في محافظتهم إلى درجة لا تُطاق. وقد تكون أكثر المدن دفعاً باتجاه المصالحة حالياً هي مدينة أنخل، حيث أكد عدد من النشطاء وجود اتصالات بين وجهاء المدينة وبين الجهات المختصة حول عقد المصالحة وشروطها وآلياتها، وكيفية التغلب على اعتراضات بعض المسلحين عليها. وبالرغم من أن نتيجة هذه الاتصالات لم تُعرف بعد، إلا أن مجرد حدوث المفاوضات يُعتبر خطوة إيجابية بحد ذاته.