لا يمكن النظر إلى التفجير الأخير الذي نفذه تنظيم «داعش» في منطقة السيدة زينب قرب دمشق والذي تسبّب بمقتل ستة أشخاص وإصابة آخرين، على أنه مجرّد عملية جديدة للتنظيم الذي ينشط على شكل خلايا متفرّقة، وإنما هو جزء من حملة تصعيدية متزايدة، في ظل الزيادة الملحوظة لنشاطه، سواء في البادية، المعقل الأبرز لانتشار ما تبقى من مقاتليه، أو في الجنوب السوري
التفجير الأخير الذي تم تنفيذه عن طريق دراجة مفخخة في منطقة السيدة زينب قرب دمشق، والذي تسبّب بمقتل ستة أشخاص وإصابة آخرين، سبقه تفجير آخر وقع قبل يومين، وتزامن مع ذكرى عاشوراء في منطقة تشهد احتشاداً في مثل هذا النوع من المناسبات الدينية، في توقيت يهدف بشكله العام إلى إعادة تسويق التنظيم لأفكار تجاوزتها الحرب، تتعلّق بربط نشاط التنظيم بمرجعيات أيديولوجية. غير أن نظرة أوسع على واقع نشاط التنظيم يمكن أن تكشف أسباباً أخرى، يتعلق بعضها بالوجود الأميركي الذي يتّخذ من محاربة التنظيم مظلّة للوجود العسكري غير الشرعي، بالإضافة إلى ارتفاع حدّة الاحتكاكات الميدانية.
وتقول مصادر ميدانية سوريّة لـ«الأخبار» إنه منذ مطلع الشهر الحالي، تشهد منطقة البادية السورية ارتفاعاً ملحوظاً لهجمات التنظيم، سواء عبر زرع ألغام على بعض الطرق، أو عمليات اختطاف رعاة أغنام وسرقة قطعانهم، آخرها هجوم وقع في ريف الرقّة، عندما قام مسلحو التنظيم باختطاف راع وسرقة قطيعه، قبل العثور عليه في وقت لاحق مقتولاً، موضحة أن قوات الجيش السوري وفصائل رديفة نشّطت خلال الأسبوعين الماضيين من عمليات تمشيط البادية بحثاً عن خلايا التنظيم.
وبالإضافة إلى منطقة البادية، يطلّ بين وقت وآخر مسلحون تابعون للتنظيم في مناطق مختلفة من درعا، المحافظة التي تُعدّ من أولى المناطق السورية التي أعيدت إليها التهدئة عن طريق المصالحات. وهي تشهد بين وقت وآخر محاولات لإعادة إشعالها، حيث نفّذ مسلحون يُعتقد أنهم تابعون للتنظيم هجمات عدة طاولت عدداً من الشخصيات المحلّية، استخدمت خلالها الدراجات النارية في التنقل وتنفيذ عمليات الاغتيال، علماَ أن درعا كانت إحدى المناطق التي اختبأ فيها قادة من التنظيم، أبرزهم زعيم التنظيم السابق أبو الحسن الهاشمي القرشي، الذي قتل خلال عملية أمنية مشتركة بين القوات السورية وأحد الفصائل التي وقّعت على المصالحة مع الحكومة السورية.
الهجوم الذي شهدته منطقة السيدة زينب يتزامن مع ارتفاع حدّة الاحتكاكات بين واشنطن وموسكو
الهجوم الأخير الذي شهدته منطقة السيدة زينب في ريف دمشق، يتزامن مع ارتفاع حدّة الاحتكاكات بين واشنطن وموسكو، سواء عبر عمليات التحصين المتواصلة التي تجريها القوات الأميركية لمواقع انتشارها، أو حتى الاحتكاكات الجوية، في ظل الخرق المتواصل لاتفاقية «منع التصادم» الموقّعة بين الطرفين عام 2015، الأمر الذي وصل إلى حد تبادل الاتهامات على أعلى المستويات السياسية بين البلدين جراء التقارب المستمر بين دمشق وأنقرة بدفع من طهران وموسكو، والذي يشكل رفض الوجود الأميركي أحد أعمدته، ما يبدو أنه زاد مخاوف واشنطن على سلامة قواتها المنتشرة في المناطق النفطية في الشمال الشرقي من سوريا، وفي منطقة التنف عند المثلث الحدودي مع الأردن والعراق، وهي المنطقة التي تتهم سوريا وروسيا الولايات المتحدة بتحويلها إلى قاعدة دعم لوجستي لمقاتلي التنظيم المنتشرين في البادية، وخصوصاً أن القوات الأميركية تملك بين يديها أوراق ضغط عديدة على التنظيم، من بينها السجون التي تضم المئات من قيادييه، يجري نقلهم بشكل مستمر بين سجن وآخر، وسط شكوك حول وجود صفقات تجريها القوات الأميركية مع هؤلاء المقاتلين.
وقبيل ارتفاع حدة الاحتكاكات الروسية - الأميركية، ومحاولة الولايات المتحدة زيادة نشاط طائراتها المسيّرة لتشمل معظم المناطق السورية بما فيها الشمال، نفّذت طائرة أميركية عملية اغتيال لشخص قالت إنه أحد أبرز قياديي التنظيم يدعى أسامة المهاجر، وقد يكون قائده الحالي، في منطقة بزاعة بريف حلب الشمالي الشرقي، قبل نحو ثلاثة أسابيع، قبل أن يتبيّن أن الشخص (اسمه الحقيقي همام الخضر وهو من مواليد منطقة القلمون ويبلغ من العمر 30 عاماً) الذي تم اغتياله، مقاتل سابق في التنظيم، يعمل في محل لبيع المنظّفات، ولا يوجد أي دليل على أنه قائد التنظيم الفعلي. ورغم ذلك، استثمرت الولايات المتحدة هذه العملية ضمن حملتها الإعلامية الداعمة لوجود قواتها في سوريا، في سيناريو بات معتاداً، يهدف إلى جانب التمسك بمظلة محاربة الإرهاب، لتصوير عمليات المراقبة الأميركية الجوية والخرق المتواصل لاتفاقية «منع التصادم» على أنها مطاردة للتنظيم، ما يؤدي إلى تصوير الرفض الروسي لهذه الخروقات على أنها إعاقة لمحاربة الإرهاب.
في السياق ذاته، تشير المصادر الميدانية إلى أن تنشيط التنظيم عملياته أمر متوقع في ظل الظروف الحالية. فقد شهد الميدان السوري خلال السنوات الماضية السيناريو ذاته أكثر من مرة، نتيجة استثمار واشنطن للتنظيم، ومحاولة «قسد» أيضاً استثماره، موضحة أن زيادة حدّة الهجمات التركية على مواقع لـ«قسد» خلال الفترة الماضية قد تعيد تنشيط هجمات «داعش» في الشمال السوري، حيث تتهم «قسد» ومن ورائها الولايات المتحدة، تركيا، بين وقت وآخر، بإعاقة محاربة الإرهاب، علماً أن الهجمات التركية المتصاعدة تستهدف بشكل متكرّر مواقع مدنية، ما يؤدي إلى موجات نزوح متكرّرة للأهالي، وضحايا وخسائر في صفوف المدنيين.