تسخين أميركي متواصل شرقاً | واشنطن - موسكو: المواجهة السورية أقرب
تتابع كل من الولايات المتحدة وروسيا، تسخين الأجواء السورية، على وقع محاولات أميركية لتحقيق خطوة ميدانية استباقية لمنع التضييق المتوقّع على حضورها العسكري غير الشرعي في سوريا، خصوصاً مع اقتراب التوافق المحتمل بين دمشق وأنقرة، الرافضتَين للوجود الأميركي على الأراضي السورية. وإذ يأتي هذا التسخين المتواصل في ظلّ الكباش الروسي ـــ الأميركي المستمر في أوكرانيا، فهو يشيع أجواءً مشحونة يتبادل خلالها الطرفان تصريحات تصعيدية متتابعة، تدور حالياً حول الشرق السوري، الذي تسيطر واشنطن على منابعه النفطية وتحاول التحصّن فيه، استعداداً لما يُعتبر تصعيداً ثلاثياً تشارك فيه إيران، إلى جانب سوريا وروسيا.
تعزيزاتٌ جديدة استقدمتها الولايات المتحدة إلى قواعدها في الشرق السوري، وبشكل خاص في حقلي «العمر» النفطي و«كونيكو» للغاز، قرب مدينة الميادين في دير الزور، تضمّنت وفق مصادر ميدانية تحدّثت إلى «الأخبار» نصب أنظمة صاروخية، وأنظمة حرب إلكترونية، بالإضافة إلى استقدام تعزيزات من الفصائل المتحالفة مع واشنطن إلى محيط المنطقة، فيما يشبه عمليات تحصين عميقة لمنع أي هجمات من شأنها أن تلحق أضراراً كبيرة في صفوف الجيش الأميركي.
وترافقت التحركات الأميركية المتسارعة، مع بدء ارتفاع وتيرة الحديث عن خطة أميركية تهدف إلى قضم مناطق حدودية مع العراق، ضمن إجراءات ترمي إلى قطع طرق الإمداد الإيرانية لـ«فصائل المقاومة» سواء في البادية السورية، أو حتى في لبنان والتي تعتبرها «مهدِّدة لأمن إسرائيل». واستدعى هذا الأمر من الطرف المقابل (فصائل المقاومة) استعدادات متواصلة لمنع أي هجمات أميركية، بالتوازي مع تصريحات أطلقها عدد من قياديي الفصائل السورية تهدّد القوات الأميركية، أو أي فصيل تابع لها، بردٍّ حازم في حال التفكير بالاقتراب من أي منطقة تسيطر عليها الدولة السورية.
ولوحظ، خلال الأيام الخمسة الماضية، قيام عدّة منصات ومواقع ووسائل إعلام، بعضها تديرها مجموعات من المعارضة، بنشر شائعات تستهدف مناطق سيطرة الحكومة السورية، وتشكيلات «المقاومة»، عبر الحديث عن حركات نزوح من السكان تارة، ووقوع خلافات أو انسحاب لبعض مقاتلي الفصائل تارة أخرى. ويعزو مصدر ميداني سوري هذه الشائعات إلى أنها «جزءُ من حرب إعلامية تديرها واشنطن»، مشيراً إلى أن بعض وسائل الإعلام تحصل على تمويل مباشر من الخارجية الأميركية مقابل نشر دعاية تخدم مصالحها في سوريا، بشكل يُظهر التحركات الأميركية على أنها «استمرار للحرب على تنظيم داعش الإرهابي»، وأن أي ضغوطات ميدانية تتعرّض لها القواعد الأميركية من شأنها أن «تهدّد الحرب على الإرهاب». وإذ تحدّث عن إمكانية استخدام واشنطن الأمر «لتبرير أي من هجماتها على مواقع تنتشر فيها فصائل المقاومة»، أوضح المصدر أن القوات الأميركية لن تتمكّن من تحقيق أي خرق للوضع الميداني، وخصوصاً في مناطق سيطرة الحكومة السورية. وأضاف أن أي تغيير قد يحدث يتعلّق فقط «بخروج القوات الأميركية» غير الشرعية من سوريا، وهو أمر شدّدت دمشق عليه بشتّى الوسائل، وكان آخرها الزيارات المتكرّرة لمسؤولين سوريين رفيعي المستوى، بينهم وزيران، إلى منطقة الميادين المحاذية للقواعد الأميركية في حقل «العمر».
وبينما شهدت الأجواء السورية احتكاكات عديدة بين الطائرات الروسية والأميركية، في تجاهل مستمر لاتفاقية عدم «التصادم» الموقّعة بين البلدين عام 2015، نقلت وكالة «أسوشييتدبرس» الأميركية عن مسؤول رفيع المستوى في البنتاغون أن واشنطن تدرس، منذ آذار الماضي، عدداً من الخيارات العسكرية للتعامل مع ما تطلق عليه مسمّى «العدائية الروسية المتزايدة» في سماء سوريا. وإذ أشار إلى أن واشنطن «لن تتنازل عن الأراضي التي تعمل فيها»، أكّد المسؤول نفسه أن «النشاط العسكري تزايد مع تنامي التعاون والتنسيق بين موسكو وطهران والنظام السوري في محاولة للضغط على الولايات المتحدة لمغادرة سوريا»، معلناً في الوقت ذاته إرسال مُقاتلات «إف-16» إلى منطقة الخليج لتعزيز قوة طائرات «إيه-10» التي تقوم بدوريات منذ نحو أسبوع.
لا تزال غالبية التحركات الحالية مجرد تحصينات استباقية تأتي في إطار عملية التسخين المستمرة
وتُظهر التحرّكات الأميركية المتواصلة في المنطقة، سواء في سوريا أو في الخليج، والحديث المتكرّر عن تعاون سوري ـــ روسي ـــ إيراني، ربطاً غير مباشر بين ميدان القتال الأوكراني والساحة السورية، إذ تتهم واشنطن طهران بتقديم مساعدات عسكرية إلى روسيا في حربها في أوكرانيا، كما تنظر إلى التعاون المشترك في سوريا على أنه «تهديد مباشر للمصالح الأميركية»، وخصوصاً أن رفض الوجود الأميركي في سوريا يُعتبر إحدى أبرز نقاط التوافق بين دول مسار «أستانا» الروسي للحلّ في سوريا، وأحد أعمدة خريطة الطريق التي قدّمتها موسكو للتطبيع بين دمشق وأنقرة. وهذا الأمر يُفسّر حديث المسؤول في البنتاغون عن تكثيف الولايات المتحدة طلعاتها في غرب سوريا، وهي المنطقة التي تعيش حالياً مخاضَ توافقٍ سوري ــــ تركي، قد يؤدي إلى تغييرات ميدانية عديدة، أبرزها استعادة الجيش السوري مناطق في الغرب، وترتيب يهدف، بحسب مطالب دمشق المعلنة، إلى سحب تركيا جنودها من سوريا وفق خطوات محددة بجدول زمني، وهي نقطة لا تزال قيد البحث بين الطرفين، بوساطة إيرانية وروسية.
في كلّ الأحوال، لا تزال غالبية التحركات الحالية مجرد تحصينات استباقية تأتي في إطار عملية التسخين المستمرة التي تمتد من منطقة التنف عند المثلث الحدودي السوري ـــ العراقي ـــ الأردني، التي تقيم واشنطن عليها إحدى أكبر قواعدها في سوريا، وتعتبرها موسكو ودمشق قاعدة دعم خلفية لفصائل «إرهابية»، وصولاً إلى الشرق السوري النفطي والحدود العراقية، حيث يحاول الأميركيون تحصين حضورههم العسكري، وتوسيعه. وتضاف إلى ما تَقدّم، محاولاتهم المستمرة لتنمية فصائل عربية في مدينة الرقة الحدودية مع تركيا، والتي تسيطر عليها «قوات سوريا الديموقراطية ـــ قسد»، بدعم أميركي، ضمن مخطط يهدف إلى «ضرب الاستقرار في سوريا»، وفق تعبير موسكو.