خان العسل صورة مصغرة لمشهد أكبر على الساحة السّورية
كثيرة هي الأماكن التي كانت تشكل قبل فترة قريبة مجرد مدن على خارطة الجغرافيا السورية ومع التطورات الأخيرة على الساحة الميدانية تحولت بعض هذه المناطق إلى محور للأحداث وعلى مستوى العالم.
ومن تلك المناطق "خان العسل" القرية التابعة إداريا لمنطقة جبل سمعان في محافظة حلب والتي تقع في الأطراف الجنوبية الغربية لمدينة حلب على طريق خناصر بالقرب من منطقة السفيرة وتبعد مسافة 20 كلم عن حلب المدينة وهي منطقة ذات أهمية استراتيجية من حيث المكان الجغرافي كونها نقطة وصل بين ريف حلب والمدينة.
بالقرب من خان العسل تقع مدرسة الشرطة التي شهدت في وقت مضى معارك بين الجيش السوري والمجموعات المسلحة وقع فيها العديد من القتلى.
تشير الإحصائيات إلى أن أكثر من 95 % من أهالي خان العسل هم من المؤيدين للنظام السوري وهم من الشيعة والعلويين، ولهذا فقد عزمت "دولة الإسلام في العراق والشام" المرتبطة عقائديا بتنظيم "القاعدة" على توجيه رسالة إلى الشعب السوري عموما وأبناء خان العسل خصوصا من خلال القيام بعملية قتل للمدنيين والعسكرين وفي وقت مضى قامت تلك المجموعات بتدمير إحدى الحوزات العلمية الكبيرة والتي تقع على طريق خان العسل.
ظهرت خان العسل كحدث على الساحة الإعلامية الدولية في آذار الماضي حيث كانت تحت السيطرة الحكومية عندما تم استخدام السلاح الكيميائي من قبل المجموعات المسلحة الأمر الذي شكل صدمة على كافة الأصعدة حيث أسفر ذلك الاعتداء عن سقوط 31 شهيدا من المدنيين والعسكريين.
بعد تلك الحادثة التي شكلت تغييراً في آلية عمل تلك المجموعات الممولة من دول إقليمية باتت معروفة، طالبت الحكومة السورية هيئة الأمم المتحدة بتشكيل فريق تحقيق دولي يعتمد المهنية والمصداقية من أجل التحقيق باستخدام المجموعات المسلحة لغاز "السارين" في الاعتداء على خان العسل.
وبعد أن تم تبادل الاتهامات بمسألة استخدام السلاح الكيميائي أكد السفير الروسي في الأمم المتحدة "فيتالي تشوركين" أن حكومته تملك الدليل على أن مقاتلي المعارضة في سوريا استخدموا غاز "السارين" في 19 آذار/مارس قرب حلب. مؤكدا أن الخبراء الروس جمعوا عينات من موقع الهجوم في خان العسل، و قد نقلت الأدلة إلى الأمين العام للأمم المتحدة "بان كي مون" في وثيقة من نحو 80 صفحة.
وبعد تجاذبات سياسية على مستوى مجلس الأمن تم التوصل إلى اتفاق يقضي بإرسال فريق من الأمم المتحدة للتحقيق باستخدام السلاح الكيميائي.
إلى ذلك أدت المحادثات بين الحكومة السورية ولجنة تابعة للأمم المتحدة مكلفة بالتحقيق في مزاعم باستخدام أسلحة كيميائية في الصراع الدائر بسوريا إلى اتفاق بين الطرفين حول "سبل التقدم إلى الأمام"، وكانت الحكومة السورية استدعت في وقت سابق من الشهر الجاري لجنة التحقيق الأممية لزيارة دمشق بعدما وافقت منظمة الأمم المتحدة على التحقيق في مزاعم الهجوم الكيميائي في بلدة خان العسل بشمال سوريا.
وجاء في بيان مشترك بين لجنة التحقيق ووزارة الخارجية السورية أن النقاشات بين الطرفين كانت "شاملة ومثمرة وأفضت إلى اتفاق حول "سبل التقدم إلى الأمام". ولم يقدم البيان تفاصيل عن الاتفاق كما لم يتأت الاتصال بالوفد لتقديم مزيد من التفاصيل. وجاء الإعلان عن توصل الطرفين إلى اتفاق للتحقيق في هجوم خان العسل الذي أدى إلى مقتل 31 شخصاً.
في هذه الأثناء لجأت المجموعات المسلحة إلى توحيد عدة كتائب وألوية مسلحة تحت مسمى "لواء أنصار الخلافة الإسلامية"، وبمؤازرة أتت إليهم عبر الحدود التركية كان القرار باحتلال خان العسل لمنع وصول فريق التحقيق الدولي إليها من أجل طمس الحقائق بغية ضرب أي قرار قد يصدر عن ذلك الفريق قد يطال عدد من الدول الداعمة لتلك المجموعات.
حيث قال أحد الدبلوماسيين في مجلس الأمن: "إذا لم تكن الحكومة تسيطر على خان العسل، فثمة حظوظ ضعيفة بأن تسمح لخبراء الأمم المتحدة بالدخول إليها" وهنا بيت القصيد كما يقال.
بعد أن اقتحمت المجموعات المسلحة المنطقة قامت بتجميع الأسرى ومن ثم تم إعدامهم ميدانياً والتنكيل بجثثهم.
بر المجزرة المروعة تم تداوله بداية عبر ناشطين على موقع التواصل الاجتماعي "الفيس بوك" من خلال صورة مصدرها موقع "المنارة" التابع لتنظيم "القاعدة"، حيث تظهر الصورة الجنود السوريين منبطحين أرضا وذلك قبيل لحظات فقط من قيام مسلحي جماعة "أنصار الخلافة الإسلامية" التابعة لتنظيم "القاعدة" بإعدامهم رمياً بالرصاص.
أشرطة الفيديو التي عرضتها المجموعات المسلحة أظهرت آليات و دبابات بحالة جيدة وذخائر استولى عليها المسلحون وهي بكميات كانت تكفي لمواصلة القتال لفترات طويلة.
إحدى تسجيلات الفيديو التي تم نشرها تظهر جثث نحو 30 شابا مكدسة بجوار حائط وقد تناثرت الدماء على الحائط والدخان يتصاعد من إحدى الجثث.
واظهر فيديو آخر، بثته جماعة معارضة في قرية الحارة بمحافظة درعا، جثثا لجنود ترقد في حجرة وسط بركة من الدماء وفي رؤوسهم إصابات.
تشير الوقائع الميدانية أن ثلاث مجموعات لا يتجاوز عدد كل منها 70 مقاتلاً كانت تعمل بالتوازي للدفاع عن المنطقة ولكن خروج إحدى هذه المجموعات أدى إلى إحداث خلل استراتيجي في ميزان القوى على الأرض، استغلته "جبهة النصرة" التي بادرت إلى التسلل من الجبال الواقعة في الجهة الشمالية لخان العسل في حين تسللت عناصر أخرى تابعة لـ"دولة الشام والعراق" من جهة الغرب المعروفة بالصومعة (الأتارب).
حيث قامت المجموعات المسلحة بقصف المنطقة عبر ثلاثة دبابات لتشتد وتيرة المعارك حول معمل برادات "مشتو" الذي يتواجد فيه عناصر الجيش السوري الذين تم ذبحهم، وقد قام أربعة انتحاريين بتفجير أنفسهم على مقربة من المعمل ليحدثوا خرقاً ولتنتهي الأمور بالمجزرة التي توقعت.
مصدر إعلامي أفاد بأن "عدد الذين قضوا في المجزرة التي ارتكبتها مجموعات مسلحة في بلدة خان العسل بحلب بلغ 220 شهيداً، معظمهم من المدنيين العزل في البلدة".
وتتهم السلطات السورية دولاً عربية وأجنبية في مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية والسعودية وقطر وتركيا بدعم المسلحين في سوريا وإمدادهم بالمال والسلاح وإرسال الجهاديين المتشددين إلى سوريا، كما حملتهم مسؤولية إراقة دم السوريين وخراب البلاد، فيما أعلنت عدة دول عزمها تزويد مقاتلين معارضين بأسلحة تحقق التوازن العسكري على الأرض بهدف دفع الطرفين إلى انتهاج طريق الحل السياسي.
إن ما جرى في خان العسل هو صورة مصغرة لمشهد أكبر يلخص حقيقة ما يجري في سوريا ولابد لنا من تسليط الضوء على ذلك المشهد للوصول إلى تلك الحقيقة حيث تؤكد المصادر العسكرية بأن معركة حلب هي المعركة الفاصلة في الواقع الميداني حيث تنقسم محافظة حلب إلى ثلاثة أقسام، القسم الجنوبي الغربي والمكوّن من "الوضيحي، خان طومان قسمها الغربي، وخان العسل قسمها الغربي، والزربة ثم أورم الكبرى والصغرى وهي تحت سيطرة المجموعات المسلحة ، تتصل أورم الكبرى والصغرى بحي الراشدين الذي تتواجد في قسمه الجنوبي مجموعات من المسلحين، في الشمال بستان القصر قسمه الشمالي، وبني زيد ثم أقسام من الصاخور والشعار من الجهة الشرقية الجنوبية أيضا تحت سيطرة المجموعات المسلحة.
الجيش السوري مدعوماً بقوات الدفاع الوطني واللجان الشعبية يفرض سيطرته على باقي المناطق، وفي هذه المناطق تقع بعض العمليات الأمنية أو التفجيرات من المسلحين ولكن بالشكل العسكري تعتبر هذه الأماكن ساقطة عسكرياً.
وتشير الإحصائيات أن مئات من المسلحين يدخلون إلى الميدان من دول متعددة وعبر تركيا الممر الوحيد.