تواطأت الصدفة مجدداً مع زعيم «جبهة النصرة» أبي محمد الجولاني، وأنقذته من موت محتم، بعد أن خرج من مقر الاجتماع الذي استهدفته غارة جوية في مطار أبو الضهور العسكري بريف إدلب، قبل دقائق من حدوث الغارة. وكانت طائرات حربية، ما زالت مجهولة الجنسية، قد أغارت، أمس الأول، على نقطة محددة في مطار أبو الضهور العسكري، كانت تشهد اجتماعاً عالي المستوى شاركت فيه قيادات بارزة من «جبهة النصرة». وأسفرت الغارة عن مقتل ما لا يقل عن 15 قيادياً، على رأسهم القيادات العليا في قطاع البادية السورية، ومن أبرزهم أبو هاجر الأردني وهو «أمير البادية في جبهة النصرة»، وأبو النصر تلمنس «الأمير الإداري العام»، وأبو أسامة «أمير مطار أبو الضهور»، وأبو تراب الحموي «الأمير العسكري العام في البادية» وأبو شيماء وأبو تقى الشوحة.
ويعتبر أبو هاجر الأردني من القيادات البارزة في الجبهة، وكان يتولى من قبل قيادة «النصرة» في الغوطة الشرقية. حيث أكدت مصادر خاصة لـ «السفير» أن أبا هاجر هو نفسه أبو الوليد الأردني الذي نقلته «جبهة النصرة» من الغوطة ليقود قطاعها في البادية بعد أن تصاعدت المشاكل في الغوطة على أكثر من صعيد بين «النصرة» والفصائل الأخرى. ويعرف الأردني، على موقع التواصل الاجتماعي، باسم «عزام الشامي»، وكان يحرّض باستمرار ضد «جيش الإسلام». وبالرغم من أن هويته غير معروفة، إلا أن ثمة إجماعاً على أنه كان ضابط استخبارات أردنياً، قبل أن يترك عمله وينتسب إلى التيار السلفي. وبحسب شاهد عيان من «جبهة النصرة»، فإن الصاروخ دخل على «الأخوة» وهم في «بلوكوز» تحت الأرض يزيد عمقه عن 20 متراً. ولضمان مقتل جميع الموجودين في الاجتماع كان الطيران يستهدف منافذ الطوارئ لـ «البلوكوز»، مشدداً على أن غالبية «الأخوة» قتلوا داخل السيارات التي حاولت إنقاذهم. غير أن اللافت هو تأكيد مصدر مقرب من «جبهة النصرة» أن القسم الأول من الاجتماع جرى بحضور زعيم «النصرة» أبو محمد الجولاني وأعضاء مجلس الشورى، ومعظم أعضاء كادره القيادي العسكري والشرعي، إلا أن الجولاني غادر الاجتماع قبل حوالي نصف ساعة من حدوث الغارة ومعه قيادات الصف الأول، أمثال الأردني سامي العريدي والمصري أبو الفرج والسوري أبو أحمد حدود.
وقد تضاربت الأنباء حول جنسية الطائرات التي نفذت الغارة. ففي حين أكد مدير «المرصد السوري لحقوق الإنسان» رامي عبد الرحمن أن الطائرات ما تزال مجهولة، ذكر بعض مراسلي المواقع الالكترونية المعارضة أن طائرة «البجعة» الروسية هي التي نفذت الغارة، كما قال مراسل «كلنا شركاء»، بينما ذهب آخرون إلى أن طائرات التحالف، بقيادة الولايات المتحدة، هي من قامت بذلك، من دون أن يكون بالإمكان تأكيد إحدى هذه الروايات. وكانت «جبهة النصرة» قد تعرضت لضربة مماثلة في الخامس من نيسان الماضي، عندما أدت غارة جوية على أحد معاقلها في كفر جالس بريف إدلب إلى مقتل عدد من قادتها، من بينهم أبو فراس السوري والمصري رفاعي طه أحد مؤسسي الجماعة الإسلامية في مصر. كما قتل عدد من أعضاء «مجلس الشورى» لديها بغارة استهدفت معقلهم في منطقة الهبيط بريف إدلب أيضاً، العام الماضي.
وتقول الولايات المتحدة إنها تقوم بغارات جوية لاستهداف «جماعة خراسان»، وهم مجموعة من القيادات جاؤوا من أفغانستان إلى سوريا بتوجيه من زعيم «القاعدة» أيمن الظواهري لتعزيز كوادر «جبهة النصرة» وزيادة خبراتهم العسكرية والشرعية. وكان الجولاني أكد، في مقابلة سابقة مع قناة «الجزيرة»، أنه «من حقنا الدفاع عن أنفسنا إذا استمرت أميركا بقصفنا، ولن يكون هذا من صالح الغرب»، ولكن بعد أشهر من المقابلة وبعد عدد من الغارات النوعية التي قتلت كبار قادته، لم يحرك الجولاني ساكناً. ويشير توالي الغارات وتساقط القيادات بهذه الكثافة إلى وجود خرق أمني كبير في صفوف «جبهة النصرة»، خاصةً أن بعض الغارات استهدفت اجتماعات يفترض أن لا أحد على علم بها سوى الحاضرين بها. ويذكّر ذلك بالسهولة التي اصطادت بها الطائرات الأميركية قيادات «فرع القاعدة في اليمن» خلال الأشهر القليلة الماضية، وهو ما يدل على أن الثغرة الأمنية قد تكون على مستوى تنظيم «القاعدة» ككل، وليست مقتصرة على فرع من دون آخر.
ميدانياً، استمرت الاشتباكات في ريف حلب على جبهة خان طومان، لكنها اقتصرت، أمس، على القصف من بعيد، ولم يطرأ أي تغير على خريطة السيطرة. في حين شهدت مدينة حلب تساقط عدد من القذائف على الأحياء الواقعة تحت سيطرة الجيش السوري، ما أدى إلى استشهاد خمسة مدنيين في الزهراء والراموسة والميدان، وأصيب ثلاثة جراء عمليات القنص في حي الأعظمية.
وفيما يشبه الاعتراف بارتكاب مجزرة بحق المدنيين في قرية الزارة في ريف حماه الجنوبي، أكد بيان صادر عن «غرفة عمليات ريف حمص الشمالي»، وهي الغرفة التي قادت الهجوم على القرية، أن التحقيق في الصور التي أظهرت مقاتلين تابعين للغرفة بجانب جثث نساء، توصل إلى أن الامرأتين كانتا مسلحتين، علماً أن الصور لم يظهر بها أي سلاح إلى جانب جثث النساء الشهيدات. بل نوه البيان إلى أن «جميع المدنيين في منطقة الزارة كانوا مسلحين»، لكنه وفي تناقض واضح، أكد أنه سيتم «محاسبة الفاعلين».
يذكر أن المجزرة التي ارتكبت في قرية الزارة، ولم يتم إحصاء العدد النهائي لضحاياها، أثارت موجة من السخط والغضب كونها استغلت حالة الهدنة وغافلت المواطنين وهم نيام في منازلهم. وأشار «المرصد» إلى مقتل 19 شخصاً في الزارة، فيما خطف العشرات من سكان القرية. إلى ذلك، غادر وزير الخارجية الأميركي جون كيري واشنطن أمس إلى السعودية، لإطلاق أسبوع من الجهود الديبلوماسية في محاولة لإنهاء النزاع في سوريا والأزمة في ليبيا. ومن جدة، حيث يلتقي كبار المسؤولين السعوديين، سيغادر كيري الاثنين المقبل إلى فيينا حيث سيشارك في ترؤس اجتماعين دوليين حول النزاعين في سوريا وليبيا. وقال نائب وزير الخارجية الروسي أوليغ سيرومولوتوف إن الحديث عن إمكانية إجراء عمليات مشتركة للعسكريين الروس والأميركيين في سوريا غير مطروح في الوقت الراهن، فيما كرر نائب وزير الخارجية غينادي غاتيلوف طلبه بإشراك أكراد سوريا في مفاوضات جنيف، مؤكداً أنه لا يمكن الحديث عن مستقبل سوريا من دون مشاركة الأكراد.