قبل نحو عامين، تمكنت قوات الجيش السوري من فك الحصار عن سجن حلب المركزي في ريف حلب الشمالي، حينها توجهت الأنظار نحو قريتي نبّل والزهراء القريبتين نسبياً، إلا أن ضراوة المعارك، واستمرار تدفق الأسلحة والمقاتلين عبر الحدود التركية، جعل من هذه الخطوة «مستحيلة» حينها، ليشتد بعدها الحصار، الذي بدأ صيف العام 2012 على القريتين، وتزداد محاولة اختراقهما ضراوة، عبر عشرات الهجمات الفاشلة التي استعملت فيها المفخخات، وحاول اقتحامهما عدد كبير من الانتحاريين. وعلى الرغم من انتظار فك الحصار عن القريتين مع بداية التدخل الروسي في سوريا قبل نحو أربعة أشهر، اختارت قوات الجيش السوري مطار كويرس المحاصر كخطوة أولى لقلب المعادلة الميدانية، ليصبح السجن ثاني المواقع التي فك عنها الحصار، وصمد بوجه عشرات الهجمات.
وأمام تطورات المعارك في محيط حلب، وتمددها نحو الريف الجنوبي، لم تكن الفصائل المسلحة تظن أن موعد فك الحصار قد حان، ليطلق الجيش السوري قبل ثلاثة أيام فقط معركة لفك الحصار عن القريتين، وإتمام طوق في محيط المدينة لقلب المعادلة الميدانية بشكل كامل. المعارك التي انطلقت من مواقع تمركز قوات الجيش السوري في باشكوي، تحت غطاء جوي ومدفعي كثيف، قوبلت بتشتت كبير في دفاعات الفصائل المسلحة، التي باغتتها عملية الجيش السوري على هذا المحور، خصوصا وأن أنظار الفصائل كانت متوجهة نحو الجنوب الغربي من المدينة وبالتحديد بلدة الزربة التي تمثل آخر معاقل الفصائل المسلحة في الجنوب الغربي المحاذي لإدلب، فتقدمت قوات الجيش السوري وسيطرت بشكل متتال على كل من دوير الزيتون وتلجبين، لتتابع شق طريقها نحو نبل والزهراء اللتين يقطن فيهما نحو 40 ألف نسمة، وفق تقديرات مصادر إغاثية.
وبالتزامن مع تقدم قوات الجيش السوري نحو نبل والزهراء، شقت قوات الدفاع الأهلية، التي شكلت إبان الحصار، من سكان محليين حملوا السلاح وانتظموا في متاريس الدفاع، طريقها نحو قرية معرستة الخان، التي شكلت نقطة التقاء القوتين، لتعلن قوات الجيش السوري فك الحصار عن الأهالي المحاصرين منذ نحو أربعة أعوام. وأشار مصدر أهلي، في قرية نبّل، عبر اتصال هاتفي مع «السفير»، إلى أنه ومع التقاء القوتين تحولت القريتان إلى ساحة للألعاب النارية، وتم إطلاق آلاف الأعيرة النارية ابتهاجاً بالنصر، خصوصاً وأن القريتين تقعان في منطقة مفتوحة على الحدود مع تركيا، تحيط بها الفصائل من ثلاث جهات، في حين تتصل جهتها الرابعة مع مناطق تسيطر عليها الوحدات الكردية، شكلت بين حين وآخر متنفسا للسكان المحاصرين. وأكد مصدر طبي في القريتين، خلال حديثه إلى «السفير»، أن عدد القتلى من الأهالي تجاوز الألف شخص منذ بدء الحصار، إضافة إلى مئات الجرحى، والدمار الكبير في البنى التحتية التي طالت القريتين جراء استهدافها بمئات القذائف المتفجرة.
وعلى عكس ما تشيعه وسائل الإعلام حول طائفة سكان القريتين الواحدة (الشيعة)، تضم نبل والزهراء سكانا من قرى مجاورة لجأوا إليهما هربا من الفصائل المسلحة قبل أن يحاصروا فيهما، حيث انتظم قسم منهم في صفوف قوات الدفاع الأهلية وقاتلوا دفاعاً عن القريتين، وفق تعبير مصدر من قوات الدفاع الأهلية. وعلى الرغم من الأهمية الكبيرة لفك الحصار عن القريتين، يمثل هذا التطور الميداني قلباً للمعادلة الميدانية في حلب، حيث تكون قوات الجيش السوري قد تمكنت بالفعل من تشكيل طوق عسكري يحيط بالمدينة ويعزل المسلحين الموجودين داخلها عن الريف المفتوح على تركيا، الأمر الذي يعني فرض حصار على مسلحي الداخل تمهيداً لإخراجهم من الأحياء التي يسيطرون عليها تباعاً. كذلك، توفر عملية الجيش السوري رصيداً بشرياً مهماً من القوات التي كانت تقاتل دفاعاً عن نبل والزهراء، حيث يتوقع إلحاق المقاتلين بجبهات القتال في الريف الشمالي، خصوصاً أنهم امتلكوا خبرة كبيرة خلال سنوات الحصار الأربع الماضية.
من جهته، سخر الناطق باسم «قوات سوريا الديموقراطية» طلال سلو من الفصائل التي تقاتل الجيش السوري على محور نبّل والزهراء، والخسائر الفادحة التي لحقت بها. وكتب، على حسابه على موقع «فايسبوك»، مهاجما الفصائل «تم رفع الحصار عن نبل والزهراء بعد ثلاث سنوات كان فيها المحاصرون يقبضون المال فقط.(..) ..؟ أين هؤلاء الأبطال الميامين الذين هاجموا جيش الثوار بالآلاف وحاصروا عفرين والشيخ مقصود..؟ والمضحك أنهم يتهموننا بالتعامل مع النظام.. لكن انتم مع من تتعاملون..؟»، في إشارة إلى «جبهة النصرة» و «حركة أحرار الشام» اللتين تقاتلان الوحدات الكردية في محيط عفرين شمال حلب. عمليات الجيش السوري، ورغم أنها وصلت إلى هدفها تتجه في الوقت الحالي، وفق تأكيد مصدر عسكري سوري، إلى تأمين الطوق، وتوسيع دائرة السيطرة في الشريط الذي فرضه الجيش، عن طريق التمدد شمالا وجنوباً، الأمر الذي يؤمن نقاط تمركز قوات الجيش السوري على امتداد الطوق، خصوصاً وأن جميع الفصائل المسلحة في ريف حلب الشمالي، باستثناء «داعش» و«الوحدات الكردية»، أعلنت «النفير العام» وحشدت قواتها نحو الطوق الذي يفرضه الجيش السوري بهدف فكه.
وفي حين تأمل الفصائل المسلحة، وأبرزها «جبهة النصرة» و «أحرار الشام»، أن تتمكن من فك الطوق عن طريق ضربه في نقاط التمركز «الهشة»، على غرار ما حصل في شباط من العام الماضي، حيث تمكنت الفصائل من كسر عملية الجيش لفرض الطوق وفك الحصار عن القريتين إثر هجوم مباغت على نقاط الجيش السوري في كل من حردتنين ودوير الزيتون، أجبرت حينها قوات الجيش السوري على التراجع، ووقعت بعض المجموعات في الأسر، يؤكد مصدر عسكري سوري أن هذا السيناريو لن يتحقق من جديد، مشيراً إلى أن «التدخل التركي في العام الماضي تسبب بهذه النكسة، أما الآن وبالتعاون مع الشريك الروسي تم قطع اليد التركية بشكل كامل»، موضحاً أن الطائرات الروسية تقوم على مدار الساعة باستهداف تحركات المسلحين، وشحنات الأسلحة القادمة عبر تركيا، ومستودعات الأسلحة، في حين تقوم قوات مشاة الجيش السوري، والفصائل التي تؤازرها، بعمليات تأمين وتثبيت وتحصين مواقع التمركز، إضافة إلى توسيع دائرة السيطرة في المنطقة.
وإضافة إلى التدخل الروسي الناجح، ساهمت عمليات الجيش السوري وفتح عدة جبهات في وقت واحد في زيادة الضغط على الفصائل المسلحة، وتشتيت قوتها على طول الشريط الحدودي مع تركيا، انطلاقاً من ريف اللاذقية، وصولاً إلى ريف حلب، الأمر الذي وضع الفصائل المسلحة في مواجهة مع أكثر من خمس عمليات عسكرية في وقت واحد، ما سّرع من وتيرة تقدم مشاة الجيش السوري على مختلف جبهات القتال.