يهدد تصعيد تنظيم "داعش هجماته الإرهابية ضد المدنيين بنسف عملية التسوية السياسية في سوريا، التي تواجه ألغاما وعقبات كثيرة تكشفها أجواء مؤتمر "جنيف-3".
استطاع التنظيم الإرهابي خرق الإجراءات الأمنية ووصل إلى قلب مناطق، يسيطر عليها الجيش السوري في منطقة السيدة زينب (ع)، جنوب شرق العاصمة السورية دمشق، ليوقع 70 شهيداً على الأقل وعشرات الجرحى المدنيين في عملية إرهابية مزدوجة.
التكتيك نفسه اتبعه التنظيم الإرهابي في حي "الزهراء" في قلب مدينة حمص، والذي تسكنه غالبية مؤيدة للرئيس السوري بشار الأسد.
ومن البديهي أن تزيد رسائل "داعش" الدموية حالة الاحتقان في أوساط مناصري الحكومة السورية، وتضغط باتجاه عدم تقديم أي تنازلات في التسوية السياسية، التي تتحرك ببطء شديد في جنيف.
ومن الطبيعي أن يكون "داعش" أكبر الخاسرين في حال تحقيق أي إنجازات في مسيرة التسوية السلمية للأزمة السورية.
فدخول "داعش" على خط الأزمة في سوريا يعدّ المرحلة الأخيرة من مراحل الأزمة، التي باتت تتمثل بدوامة حرب طاحنة تسببت بقتل مئات الألوف ولجوء ونزوح الملايين من أبناء الشعب السوري، وبأكبر كارثة إنسانية منذ الحرب العالمية الثانية. ومما لا شك فيه أن نهاية "داعش" تعد ضمانة أساسية لإنهاء الأزمة، والسير في طريق ترسيخ السلم الأهلي، وبناء سوريا جديدة لجميع مواطنيها من دون تمييز وفق الدين أو الطائفة.
ولا يقتصر تصعيد "داعش" الأخير على العمليات الإرهابية ضد المدنيين، فقد فتح التنظيم معارك جديدة ضد قوات الجيش السوري في أكثر من جبهة، وخاصة في حلب. كما يشتبك التنظيم مع تنظيمات إرهابية أخرى في ريف دمشق.
ومن الواضح أن التصعيد الأخير يهدف إلى تقويض عملية التسوية السياسية للأزمة ضمن استراتيجية شاملة تتضمن تعزيز مواقعه وصورته، التي اهتزت كثيرا إثر فقدانه مناطق واسعة في سوريا والعراق، وازدياد القناعة في صفوف "داعش" بأن العالم بات أقرب إلى بناء جبهة موحدة لإنهاء "دولة التنظيم" ووجوده في المنطقة؛ وتضاف إلى ذلك عوامل محلية عديدة، مثل: ازدياد حالة النقمة الشعبية على التنظيم، واتفاق الحكومة والمعارضة المقبولة دوليا على وضع "داعش" في خانة الإرهاب وضرورة محاربته، والتوافق الدولي على أن محاربة التنظيم الإرهابي يجب أن تتصدر جدول أعمال أي نظام حكم مستقبلي في سوريا.
وتتزامن رسائل "داعش" الدموية والخلافات العميقة بين وفد "المعارضات" السورية والحكومة مع استمرار معاناة السوريين وسقوط مزيد من الضحايا. فالخلافات بين الطرفين ما زالت عميقة حول أولوية محاربة التنظيم الإرهابي، وتصنيف تنظيمات مثل "أحرار الشام" و"جيش الإسلام" ضمن خانة الإرهاب. وفي وقت تصّر فيه الحكومة على وضع ملف الإرهاب أولا على طاولة المباحثات، فإن وفد معارضة الرياض يرى أن الضرورة هي لمناقشة مسألة هيئة الحكم الانتقالي، وتنفيذ بنود "جنيف-1" وقرار مجلس الأمن الأخير 2254، وخاصة في بنديه الـ13 والـ14، اللذين ينصان على "وقف جميع الأطراف فورا أي هجمات موجهة ضد المدنيين والأهداف المدنية في حد ذاتها".
ويتمحور خلاف آخر حول مشاركة الأكراد في تسوية الأزمة السياسية؛ فعلى الرغم من اتفاق الجانبين على أهمية مشاركة الأكراد، وعلى وجود شخصيات كردية في كلا وفدي المعارضة والحكومة، فإن الخلافات تدور حول التمثيل. وتصّر هيئة المفاوضات المنبثقة عن مؤتمر الرياض على عدم إشراك صالح مسلم رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي (الكردي)؛ ويذهب بعض المعارضين إلى ضرورة إشراك صالح مسلم ضمن وفد الحكومة - في اتهام مباشر له بالعمل المنسق مع الحكومة في دمشق.
ومن المؤكد أن أي تسوية لا توفر حلولا مناسبة للقضية الكردية لن ترى النور، وخاصة في المناطق الشمالية والشمالية الشرقية من سوريا لأسباب عدة، أهمها: أن المنطقة تعّد من أهم ساحات محاربة "داعش"، وكذلك سيطرة التنظيمات الكردية على مساحات واسعة في الشمال، فضلا عن أهمية المنطقة اقتصاديا في مشروعات إعادة إعمار سوريا لاحتوائها على مناطق النفط، وامتلاكها مساحات الزراعة الرئيسة في البلاد في مجال الحبوب والقطن.
ولم تنعكس سخونة المعارك في سوريا، ونزيف الدماء إيجابا على أجواء مؤتمر "جنيف-3". إذ ما زال الفريقان يكرران التصريحات نفسها، وتقوم المعارضة بوضع شروط مسبقة، فيرفضها الآخر.