لم يحمل المشهد العام الذي تسيطر عليه النخبة الحاكمة في تركيا، خلال عام 2015 سوى استمرار محاولات بسط مزيد من النفوذ على البلاد والعباد، والتمسك بالتحول من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي، وتنفيذ رغبات العثماني الجديد في السيطرة والحكم، في خطوة جديدة في اتجاه مخطط استعادة خلافة الشر والدم العثمانية.
ويعتبر اقتحام حزب "الشعوب الديمقراطي" الكردي، أبواب البرلمان التركي خلال الانتخابات التي أجريت في يونيو/حزيران 2015 عندما كسر حاجز الـ 10 % المطلوبة للتمثيل داخل البرلمان، من أبرز الأحداث على الساحة، حيث كانت نتيجة ذلك خسارة النخبة الحاكمة الأغلبية في البرلمان وباتت عاجزة عن تشكيل الحكومة منفردة ولن تتمكن من تنفي رغبة العثماني الجديد والتحول إلى النظام الرئاسي.
ولكن النخبة الحاكمة عملت على إفساد المشهد، بتدابير أمنية قمعية نالت من المؤسسات الصحفية المعارضة، ومارست الكثر من الضغوط السياسية على الأحزاب المنافسة خاصة "الشعوب الديمقراطي" الكردي، وعملت على إفشال مفاوضات تشكيل حكومة توافق من الأحزاب الممثلة في البرلمان، على أمل أن تعيد صياغة الواقع السياسي من جديد، وتحقيق أحلام السلطان، فكانت الانتخابات المبكرة في نوفمبر/تشرين الأول.
و يظل حلم التحول إلى النظام الرئاسي، مرهون بالتوافق مع الأحزاب الممثلة في البرلمان "الشعوب الديمقراطي" الكردي، "الحركة القومية" "الشعب الجمهوري" والتي أعلنت في أكثر من مناسبة رفض فكرة تمركز السلطة فرد واحد وتهميش مؤسسات الدولة، عن طريق تغيير النظام السياسي، وتحقيق رغبة أردوغان في إقامة "سلطنته" واحتكار القرار، بينما تتمسك النخبة الحاكمة بخلق نظام سياسي يمنع بروز شخصيات وكوادر سياسية تركية يمكن ان تنافس على تصدر المشهد.
وحالة عدم الاستقرار السياسي انعكست على الوضع الاقتصادي للبلاد، حيث تشير معطيات هيئة الإحصاء التركية إلى تراجع نسبة النمو إلى 2.9 % خلال عام 2014 بعدما كانت 6.2 % في 2002، وأن ما تشير إليه تصريحات المسئولين مع الاستقرار الاقتصادي، إنما يصب في صالح النخبة الحكمة وحاشيتها التي تبلغ 1 % من المجتمع التركي البالغ 78 مليون تركي، إذ يشير تقرير معهد البحوث التركي إلى أن هذه الفئة كانت تمتلك نحو 39.4 % من إجمالي الأصول أو الثروة عام 2002 والفئات الأخرى كانت تمتلك 60.6 في المئة من إجمالي الثروة في البلاد، بينما اليوم وصل نصيب النخبة الحاكمة 54.3 %، والفئات الأخرى 45.7 %.
هذ إلى جانب معدلات البطالة التي سجلت عام 2002 نسبة 10.8 % بينما وصلت أوائل 2015 إلى 11.2 % بحسب هيئة الإحصاء التركية، بينما تحدث تقرير مركز إدارة المخاطر لاتحاد البنوك في تركيا، عن زيادة في أعداد الذين تم إدراجهم في لائحة المتابعة القانونيّة بسبب البطاقات الائتمانيّة المفلسة التي بلغت مليون بطاقة، وأن إجمالي قروض البطاقات الائتمانية غير المسددة ارتفع 25 ضعف تلك النسبة التي كانت عام 2002، هذا إلى جانب تراجع قيمة العملة المحلية.
ومع الوضع الاقتصادي الراهن وتراجع قيمة الليرة التركية، و الأزمات المتتالية مع دول الجوار المباشر وغير المباشر، لم تخجل النخبة الحاكمة من الإعلان عن خوض مفاوضات تبيع العلاقات مع إسرائيل في كافة المجالات وبتأكيد للشعوب العربية والتركية زيف تلك الشعارات التي كان يتشدق بها أردوغان حول القضية الفلسطينية وسكّان قطاع غزة المحاصر من جانب أصدقاء النخبة الحاكمة في تركيا التي ترسل أبناء الشعب إلى القتل وتقدم التنازلات بشكل مهين، من أجل الحفاظ على السلطة والنفوذ ومواصلة تنفيذ مخطط الفوضى والإرهاب في منطقة الشرق الأوسط خاصة سوريا والعراق، بدعم ملحوظ من الإدارة الأمريكية.
يقول رئيس حزب "الشعب الجمهوري" أكبر حزب معارض في تركيا، كمال كيليتشدار أوغلو، إن بلاده كانت خالية من الإرهاب عندما تولى حزب "العدالة والتنمية" سدة الحكم عام ٢٠٠٢، وتساءل، ما الذي حدث كي تتحول البلاد إلى ما أصبحت عليه الآن؟.
وعلى صعيد العلاقات الخارجية، نجد أن عام 2015 شهد، دخول النخبة الحاكمة في أزمة شديدة مع توتر العلاقات مع مصر والإمارات وسوريا، وإيران، وروسيا ثم العراق، لتتضاعف متاعب العثماني الجديد، وتتحول السياسية التركية من "صفر المشاكل مع الجيران" إلى الكثير من الأزمات والمشاكل مع دول الجوار المباشر وغير المباشر، وأصبحت هناك عزلة إقليمية حقيقة ستكون لها انعكاساتها على الداخل التركي، بسبب سياحة أردوغان وحاشيته.
لقد فقدت النخبة الحاكمة أي دور فعال في المنطقة، وتراجعت ثقة الكثير من الدول وانهارت استراتيجيتهم الداعمة للجماعات الإرهابية المتطرفة، وأصبحت مهددة بمزيد من الخسائر السياسية والاقتصادية إقليمياً ودولياً، ولن تجدي نفعاً علاقاتها مع حلف شمال الأطلسي "ناتو" العاجز عن تحقيق أهدافه ومخططاته، أو مع إسرائيل التي لن تسمح بتوتر العلاقات مع مصر من أجل أردوغان، أو حتى الاتحاد الأوروبي الذي يعاني الكثير من المتاعب الاقتصادية.