يأمل السوريون بأن يكون عام 2016 عام انتهاء الأزمة التي عصفت بالبلاد منذ خمس سنوات، وذلك بعدما شهد العام الماضي مقدمات لحلول على الصعيدين السياسي والعسكري.
وسيكون السوريون نهاية الشهر الجاري على موعد مع استحقاق سياسي كبير (جنيف 3) الذي رسم القرار الدولي 2254 أفقه السياسي والعسكري والزمني.
ومع أن المؤتمر سيأتي في ظل ظروف مغايرة للظروف التي أنتجت "جنيف 2" مطلع عام 2014، إلا أن الخلافات الإقليمية - الإقليمية حيال سوريا مازالت هي نفسها، فضلا عن بعض التباينات بين الراعيين الكبيرين (روسيا، الولايات المتحدة) حول بعض النقاط.
ولذلك فإن سوريا مقبلة على تحديات كبيرة على الرغم من اتخاذ المجتمع الدولي قراره بحل الأزمة أو وضعها على سكة الحل، وأبرز هذه التحديات هو:
1ـ الجانب السياسي.. إذ أن الخلافات كبيرة بين فرقاء الأزمة المحليين والإقليميين والدوليين، خاصة وأن القرار الأممي لم يدخل في تفاصيل الحل، مثل السيطرة على المؤسستين الأمنية والعسكرية، وهل ستتم بالتقاسم أم بالمشاركة؟ وكيف ستتم عملية دمج قوى المعارضة في اتحاد مع الجيش لمحاربة الإرهاب، في ظل انعدام الثقة بين طرفي الأزمة، ويمكن لهاتين المسألتين تشكيل خلافات كبيرة قد تقضي على العملية التفاوضية وبالتالي على المسار السياسي كله.
وقد بدت بوادر الخلاف واضحة مع تصريحات الطرفين؛ المعارضة تؤكد على هيئة حكم انتقالية ذات صلاحيات كاملة، في حين تؤكد دمشق على حكومة وحدة وطنية، والفرق بينهما كبير، لا سيما أن هذه القضية مرتبطة بصلاحيات الرئاسة، الصيغة الأولى التي تتبناها المعارضة تسحب أهم الصلاحيات من منصب الرئاسة، في حين تؤكد الصيغة الثانية على خضوع حكومة الوحدة لصلاحيات الرئاسة على الأقل في القضايا الاستراتيجية.
ثمة قضية أخرى لا بد من حلها قبيل انطلاق المفاوضات، وهي تحديد وفد المعارضة، وثمة خلافات واضحة في هذا المجال، وإن كانت هذه المسألة أقل تعقيدا من غيرها، لكن عدم حلها قد يؤخر انعقاد "جنيف 3"، والخلاف يدور حول ثلاث قوى تم استبعادها من وفد المعارضة وتطالب موسكو بتواجدها (الاتحاد الديمقراطي الكردستاني، تيار قمح، جبهة التغيير والتحرير).
2ـ الجانب العسكري.. ويكمن التحدي العسكري في ثلاث مسائل؛ المسألة الأولى متعلقة بتحديد المنظمات الإرهابية، وثمة خلاف حاد بين القوى الإقليمية والدولية، ولا يتوقع إيجاد حل لهذه المسألة قبيل انطلاق مؤتمر "جنيف 3"، وعلى الأغلب سيترك مصير تحديد بعض المنظمات إلى مرحلة لاحقة أثناء مسيرة التسوية.
والخلاف يدور على بعض القوى المدعومة إقليميا والتي تؤكد موسكو أنها إرهابية (أحرار الشام المدعوم من تركيا وقطر، وجيش الإسلام المدعوم من السعودية)، ويعتبر هذين الفصيلين الأقوى على الساحة السورية بعد تنظيم "الدولة الإسلامية" و"جبهة النصرة" و"وحدات حماية الشعب الكردي".
أما المسألة الثانية، أي وقف إطلاق النار، فهي المسألة الأصعب والأكثر تعقيدا، ولا يعرف حتى الآن الصيغة التي سيتم بموجبها وقف النار، هل ستكون دفعة واحدة أم على دفعات؟ وكيف ستتم عملية المراقبة؟ وأيضا ليس معروفا متى تبدأ عملية وقف إطلاق النار، هل مع بدء المفاوضات السياسية، أم مع بدء المرحلة الانتقالية؟
المسألة الثالثة، وهي الأخطر، مرتبطة بتغيير الواقع الميداني قبيل انطلاق المرحلة الانتقالية، ولما كانت الحرب امتدادا للسياسة بوسائل أخرى، فيتوقع أن تشهد الجغرافيا السورية خلال العام الجديد اشتدادا في العمليات العسكرية، وقد بدت ملامح ذلك، مع فتح دمشق لمعركة الجنوب بعد هدوء نسبي، وإعادة ترتيب محيط دمشق بعد سكون دام أكثر من عامين.
على أن الشمال الغربي والشمال الشرقي سيكونان عنوان الصراع في العام الجديد، بين القوى الرئيسية: الجيش السوري، وداعميه الروس، فصائل المعارضة المسلحة المدعومة إقليميا، تنظيم "الدولة الإسلامية"، "جبهة النصرة"، الوحدات الكردية.
3ـ الجانب الإقليمي والدولي، من المتوقع أن تشتد المنافسة الإقليمية الدولية في سوريا بحيث تتطور الأمور إلى تدخلات عسكرية على غرار التدخل الروسي، وقد ألمح وزير الخارجية السعودي عادل الجبير الشهر الماضي إلى ذلك غداة تشكيل التحالف الإسلامي، حين قال إن التحالف يدرس إمكانية إرسال قوات برية إلى سوريا.
وبطبيعة الحال، فإن مثل هذا التدخل لا يمكن أن يحدث إلا من البوابة الشمالية لسوريا، أي من تركيا التي تشهد تراجعا واضحا في دورها بعيد الأزمة مع موسكو، ويتوقع أن تقوم تركيا بخطوات عسكرية في الشمال السوري تحت عنوان محاربة "داعش"، وهو ما ألمحت إليه مؤسسة ستراتفور الأمريكية في تقييمها لعام 2016 من أن تركيا قد تشن عملية عسكرية على سوريا، من أجل ما وُصف بـ"تطهير شمال سوريا" من التنظيم والسيطرة على توسع القوات الكردية هناك، وستجد دعماً من واشنطن.
وتوقع تقرير ستراتفور أن تكون تركيا أهم لاعب ينبغي متابعته في العام الجديد في سوريا، إذ ستنافس الدور الإيراني، وستكون هذه القضية بحسب تسريبات إعلامية محور محادثات القيادة التركية مع نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي سيصل أنقرة هذا الشهر.