ريف حلب 2: المناطق الغربيّة قاب قوسين... والفصائل في مهبّ التنازع
بعد أن هدأت وتيرة عمليات الجيش البريّة في ريف حلب الجنوبي منذ مطلع الشهر الجاري، دشّنت السيطرة على خان طومان مرحلةً جديدةً من العمليّات. وكما أثمرت المرحلة الأولى تقدّماً غيرَ مسبوق للجيش، يبدو أنّه وضع أهدافاً مماثلة للمرحلة الثانية. في المقابل، تعكس كواليس المجموعات المسلّحة حالةً من التسليم بأنّ خروج معظم مناطق الريف الغربي عن السيطرة هو مسألة وقت لا أكثر.
مع تثبيت السيطرة على بلدة خان طومان في ريف حلب الجنوبي، يكون الجيش السوري قد باشروا ما يمكن تسميته «معركة ريف حلب 2». ووفقاً للمسار الذي سبق أن أشارت إليه «الأخبار»، كان الجيش والحلفاء قد اتّخذوا من السيطرة على تل العيس (منتصف الشهر الماضي) محطّة فصَلت بين مرحلتين من معارك الجبهة الجنوبيّة، التي يبدو أنّها باتت وجبهة الريف الغربي جبهةً واحدة.
ووفقاً لتطوّرات المعارك يوم أمس، يتّضح أنّ بوصلة المعارك قد توجّهت نحو الغرب. الجيش بسط أمس السيطرة على تل معراته وبلدة معراته ( شمال شرق خان طومان، جنوب غرب حلب) ما يعني تأميناً إضافيّاً لحزام حلب الجنوبي، ووصل نقاط السيطرة في خان طومان بمثيلتها على الحزام الجنوبي. ورغمَ أنّ ضاحية الراشدين (شمال خان طومان، وغرب حي الحمدانيّة أحد أكبر أحياء حلب الغربيّة) تلوحُ هدفاً محتملاً للجيش، غيرَ أنّ بعض الحسابات المتعلّقة بطبيعة هذه الجبهة قد تؤدّي إلى إرجاء فتحها في المرحلة الراهنة. ومع أنّ الضاحية كانت قد تعرّضت لدمار كبير جرّاء المعارك السابقة، لكنّ تداخُل المباني وتراصّ الكتل الإسمنتيّة فيها إضافةً إلى محاذاتها خان العسل، جميعُها عوامل قد تدفع المخططين العسكريين إلى صرف النظر حاليّاً نحو مناطق مكشوفة بشكل أكبر. وضمن هذا الإطار تبدو نقاط أبوشليم، والشيخ رحيلة، والزربة، وإيكاردا (وجميعها على الأوتوستراد الدولي حلب ــ دمشق) صالحةً لفرض نفسها على سلّم أولويات المرحلة الرّاهنة، مع تباين صعوبة السيطرة عليها بين نقطة وأخرى، وبما يتناسب مع أهمية كلٍّ منها. ولفهم حيثيّات المعارك الدائرة، تنبغي الإشارة إلى حرص الجيش السوري على امتلاكه نقطتي ارتكاز خلفيّتين تؤمّنان انطلاقته نحوَ كلّ نقطة يعتزم قضمها، بحيث يكونُ هدف العمليّات بمثابة رأس مثلثٍ قاعدتهُ تحت سيطرة الجيش. وبهذا المعنى فإن السيطرة على خان طومان تتيحُ تحويل الزربة إلى رأس مثلثٍ قاعدتُهُ الأخرى في الحاضر، وتالياً تتحوّل إيكاردا إلى رأس مثلثٍ قاعدته العيس والزربة (بعد السيطرة عليها).
المرحلة الجديدة تحملُ معها احتمالات كارثيّة للمسلحين ومع الأخذ في الاعتبار أنّ السيطرة المستقرّة على إيكاردا تمنحُ الجيش خيار التوسع جنوباً نحو نقاط رسم صهريج، رسم العيس، وصولاً إلى الشيخ أحمد (والأخيرةُ تعني تماساً مباشراً مع الحدود الإداريّة لمحافظة إدلب، وتمهّد للانطلاق نحو سراقب الواقعة بدورها على الأوتوستراد الدولي). لكنّ فتح هذا المسار ليس إلزاميّاً في المرحلة الراهنة من المعارك، وتُرجّح المؤشرات المتوافرة مواصلة الانعطاف غرباً على كفّة المسار الجنوبي، ولذلك تبدو السيطرة على الزربة وإيكاردا بالغة الحيويّة. ومن شأن هذه السيطرة أن تمنح الجيش أفضلية الالتفاف غرباً عبر قوسين: داخليّ محاذٍ لمدينة حلب يستهدف كلّاً من خان العسل، المنصورة، كفرناها، وصولاً إلى أورم الكبرى، وخارجيّ يأخذُ على عاتقه الانتقال من إيكاردا إلى الضفّة الأخرى من الأوتوستراد نحو عرّادة وكفرجوم وأورم الصغرى، ومن دون الإخلالِ بتكتيك «المُثلّث».
أمام هذه المعطيات، لا بدّ من التساؤل عن كواليس الجبهة المقابلة والطريقة التي تنظرُ فيها المجموعات المسلّحة إلى جبهات الريف الحلبي. ورغم أنّ الانهيارات المتتالية في صفوف المسلّحين جنوباً في المرحلة الأولى من «معركة حلب الكبرى» كانت بالغة التأثير، غيرَ أنّ المرحلة الجديدة التي دشّنها سقوط خان طومان تحملُ معها احتمالات كارثيّة (من وجهة نظر المجموعات) بسبب ما تمثّله من تهديد وشيك للمعاقل في الريف الغربي. وفي هذا السياق، بدت لافتةً الدعوة التي وجّهها الشيخ السعودي عبدالله المحيسني إلى «الفصائل» بوجوب «رص الصفوف» والحيلولة دون استمرار الانكسارات. ورغم أنّ المحيسني سبق له أن أصيبَ مرّات عدّة، غير أن الشريط المصوّر الذي أظهره مُطلقاً «نداء الاستغاثة»، وهو في طريقه لتلقّي العلاج، يشي بحجم الخطر الذي يستشعره «عرّاب جيش الفتح». وتكشفُ معلومات متقاطعة حصلت عليها «الأخبار» من مصادر ميدانيّة مُعارضة عدّة عن أنّ ريفي حلب الجنوبي والغربي باتا في حسابات المسلّحين بمثابة «جبهتين ساقطتين قطعيّاً». وفيما يُمكن التأكيد أنّ الجنوب صار خارج الحسابات كليّاً، باستثناء محاولات فتح «جبهات إشغال» متفرّقة، فإنّ استعداد المجموعات لمعارك الريف الغربي يقومُ على خطّتين («أ»، و«ب»). ويجري العمل على الخطّتين بالتوازي؛ فوفقاً لمصدر عسكري «قيادي»، تحظى الخطّة
«أ» وفق تقديرات غرف العمليّات بفُرص نجاحٍ لا تتجاوز 15%. وتقوم هذه الخطّة على «تدعيم نقاط التمركز القويّة في الريف الغربي، واستقدام مزيدٍ من التعزيزات إليها»، في مقابل «انسحابات متتالية منظّمة من النقاط الضعيفة»، شريطةَ «تأخير هذه الانسحابات ما أمكن». وعلاوةً على الأهداف «التكتيكيّة» تحضر الأهداف «المعنويّة» بقوّة وراء اعتماد هذا الخيار، رغم أنّ خسائره البشريّة تبدو أكبر. على قائمة النقاط «القويّة» المطلوب تدعيمُها أكثرَ تحضرُ كلٌّ من كفرناها المستندةُ إلى عمقٍ «استراتيجيّ» تؤمّنه أورم الكبرى. الأخيرةُ بدورها تبدو واحدةً من أقوى رهانات التمترس. كذلك تلحظُ الخططُ أهميّة التدعيم في المنصورة ومن خلفها بشنطرة وعنجارة. ورغم الثقل الميداني الذي تُمثّله الأتارب، غيرَ أنّ الأخيرة تبدو ميداناً لصراعٍ «داخليّ» شديد، يؤجّجه رفض «الكتائب المحليّة»، ومن خلفهم السكّان، «أيّ حضورٍ لجبهة النصرة فيها»، فيما تصرّ الأخيرةُ على «ضرورة دخول المدينة». ووفقاً لمصادر مرتبطة بـ«حركة نور الدين زنكي» فإنّ «النصرة ربطَت بين دعم مقاتلي الحركة في مناطق نفوذها في الريف الغربي (مثل المنصورة، خان العسل، وجبل سمعان) وبينَ ضمان نفوذ لها في الأتارب». ويعود تأجّج الخلاف بين أبناء الأتارب و«النصرة» إلى آذار الماضي ، حيث اتّخذت الأخيرة من تصفية «حركة حزم» ذريعةً لاقتحام المدينة، قبلَ أن يجنحَ الطرفان إلى التهدئة. وتنسحب حالة الأتارب على عدد من المناطق الأخرى، لكنّه (الخلاف) يأخذ فيها صورة التسابق على النفوذ بين المجموعات. «يصرّ الإخوة في الفصائل على عدم التنازل عن مصالحهم ونفوذهم حتى لدى الحديث عن نفير عام يستدعي رصّ الصفوف»، يقول المصدر «الزنكي» لـ الأخبار». ويضيف: «هذا فحوى رسالة الشيخ المحيسني الأخيرة إلى الفصائل: ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحُكم».
لكن، ماذا إذا طابقت النتائجُ الميدانيّة حسابات غرف العمليّات، ولم تصمد نقاط الريف الغربي طويلاً؟ «الخطّة ب جاهزة ويجري العمل عليها»، يقول مصدرٌ محليّ محسوب على «النصرة».