لم تكن عطلة نهاية أسبوع اعتيادية في دمشق! الأعلام منكّسة والقلوب تقطر قهراً وحزناً على شهداء «الكليّة الحربية» في حمص. لكن برمشة عين، انقلب مشهد النواح إلى فرح عارم. خلافاً للسائد، استيقظت الشام صباح السبت الماضي باكراً جداً. توقف الإعلام الرسمي عن تلاوة القرآن، وانهالت الأخبار العاجلة بحدوث #طوفان_الأقصى. للحظة، ظنّ المتابع للوسم الذي غزا السوشال ميديا أنّ الاحتلال الصهيوني اقتحم المسجد الأقصى في إطار ممارساته الوحشية المعتادة. لكن بصيغة تضاهي السيناريوات الهوليوودية المحبوكة، كرّست مجموعة من الشباب قاعدة أنّ إسرائيل «أوهن من بيت العنكبوت».
مئات الفيديوات والصور وعشرات الهاشتاغات التي اختار السوريون أبرزها وتداولوها بكثافة، ومنها صورة لفلسطيني يقف بشموخ في مواجهة سيارة تبدو أنّها حربية ويحمل علم بلاده بيسراه فيما ترك يمينه للعلم السوري، وكتب عليها: «ما نكّست الأعلام إلا لترفع... من فلسطين هنا دمشق». وأعيد نشر لوحة ناجي العلي الشهيرة التي ترسم مظليين فدائيين يهبطون على المسجد الأقصى، بصفتها استشرافاً عبقرياً للفنان الفلسطيني الشهيد. من ناحيتها، لجأت الإذاعات السورية إلى أرشيفها من الأغاني الوطنية والقومية والثورية. فيروز كانت تصدح من مكبّرات السيارات: «سنرجع يوماً خبّرني العندليب»، فيما أعادت جوليا بطرس إلى الأذهان ذكريات حرب تموز بأغنيتها «أحبائي». أما مبنى «دار الأوبرا» وسط ساحة الأمويين، فازدان بالعلم الفلسطيني قرب السيف الدمشقي الذي تجمهر حوله عشرات الشبان يلفّهم الشماخ الفلسطيني وهم يوزّعون الحلوى على المارة. وفي حي «الميدان» العريق، أيضاً وزِّع «حلوان» النصر.
حوار مذيع «الجزيرة» أحمد طه مع الناطق الإعلامي في جيش العدو أفيخاي أدرعي وإحراجه له، كانت له حصّة من محتوى صفحات السوريين الافتراضية، إلى جانب ما فعله محلل قنوات beIN SPORTS، التونسي طارق ذياب، مباشرة على الهواء عندما سأله المذيع عن رأيه بتصدّر نادي «ريال مدريد» قائمة الدوري الإسباني بعد اكتساحه فريق «أوساسونا» مساء السبت، فقال: «اليوم شاهدنا الكرة الشاملة أي الهجوم. واكتشفنا مدرّباً جديداً هو «أبو عبيدة» (الناطق باسم كتائب عز الدين القسّام التي نفّذت الهجوم)... إنّه أفضل من أنشيلوتي وغوارديولا... تابعنا المنتخب الفلسطيني الذي حقق النصر ونرجو من الله أن يكمّلها معهم».
قصائد نزار قباني ومحمود درويش كانت حاضرة أيضاً، فيما راح إعلاميون مكرّسون، وخصوصاً أولئك فلسطينيي الأصل، يعبّرون علناً عمّا يجول في خواطرهم. وفي غضون ذلك، تفرّغت شركة «فيروزة للإنتاج الفني» (شركة جديدة تعمل في دمشق تتبع لشركة «أوج» الإيرانية) بنشر بوسترات وفيديوات ومواد فنية عن الحدث.
من جانبه، نشر النجم بسّام كوسا صورة العلم الفلسطيني مقروناً بجملة: «وكنت وحدي ثم وحدي آه يا وحدي»، في الوقت الذي دوّن فيه النجم عباس النوري كلمتين على خلفية حمراء: «تحيا غزّة». أما الممثلة سوزان نجم الدين، فنشرت أغنيتها «سلام غزة الأبطال» (كلمات والدتها دولة العباس وألحان خالد حيدر ــ أخرجها صفوان نعمو بمشاركة فنانين سوريين) مع تعليق: «صباح العزّة، والكرامة، وأبطال فلسطين، صباح فجر مجيد وتاريخ جديد».
وعدّت زميلتها شكران مرتجى أنّه «اليوم عيد ميلاد أبوي الله يرحمو، وهو غزّاوي. ما رح أنسى هالتاريخ يلي كتار ما رح ينسوه». وأقرنت مرتجى كلماتها بصورة الرجل الذي يحمل العلمين، وشاركها بدوره الممثل الفلسطيني فاتح سلمان مع شطر من النشيد الوطني السوري: «أبت أن تذلّ النفوس الكرام».
من جانبه، واكب المخرج علي علي الحدث على صفحته الفايسبوكية، وعقّب السينمائي جود سعيد على «قضيتنا الجوهرية». أما النجمة الفلسطينية الأردنية السورية صفاء سلطان، فقالت لنا إنّ مقاتلي حركة «حماس» أعادوا «لنا الشعور بالنصر، وحفظوا ما تبقى من ماء لوجوهنا في زمن الخذلان والهزائم... كنت أتمنى أن يشهد والدي الراحل هذا النصر لأنّه رفض بيع بيته في فلسطين. أنا ابنة هذا البلد المحتلّ وأفتخر ولا يمكن لي أن أبدّل اعتقادي الدامغ بالعزّ في مثل هذه المواقف بكل كنوز الدنيا».
وسارعت الممثلة المخضرمة وفاء موصلّي وأدلت برأيها حول ما يحدث على السوشال ميديا، قبل أن تقول لنا: «الفلسطينيون يدافعون عن وطنهم. هُجّروا ظلماً منذ 1948، وارتُكبت في حقهم المجازر... لكن المقابر الجماعية تشهد على ما حدث... عندما نقول مستوطنين يعني أنّ هذه البلاد ليست لهم، ولا يخفى على أحد اغتصابها، ودفاع أصحابها عن حريتهم شيء مشروع. لذلك، نحن مع مقاومتهم و أخذهم بثأرهم بعدما نكّل الاحتلال بهم سنوات طوال...». وتضيف: «لا يمكننا نسيان مشاهد دير ياسين وقانا ومحمد الدرّة وغيرهم...». تصمت موصلي قليلاً قبل أن تستذكر مشاهد منذ عام 2009، وتقول: «زُرت غزة مع حملات لكسر الحصار ورافقتني غصة في قلبي عندما شاهدت بأم عيني كيف أُطلق الرصاص نحو البحر لقتل الصيادين الفلسطينيين ومنعهم من الحصول على قوتهم وسط الحصار الجائر... ورأينا على الشاشات كيف يمارس جيش الاحتلال أساليب العنف كلها على الأطفال والنساء الفلسطينيين، وكنا نتساءل عن مدى قوتهم، لكن «طوفان الأقصى» أثبت اليوم أنّ لا مستحيل مع إرادة الحياة وأنّ الحق يجب أن يعود إلى أهله مهما كثر المستسلمون... لقد شرب الصهيوني من الكأس التي أذاقنا منها دوماً».