«خطوة مقابل خطوة» تحت الاختبار: وساطة سعودية بين الغرب وسوريا
جريدة الأخبار
تمرّ سوريا بمرحلة اختبار لنتائج المتغيّرات السياسية المتسارعة في المنطقة، وعلى رأسها الانفتاح العربي الواسع على دمشق، والذي تُوِّج بحضور الرئيس السوري، بشار الأسد، قمّة «جامعة الدول العربية» التي استضافتها السعودية في الـ18 من أيار. وإذ لا تزال الدول الغربية متحفّظةً على ذلك الانفتاح الذي تريده مشروطاً بتغييرات سياسية داخلية، فإن موقفها بدأ يجد أصداءً لدى الدول العربية الراغبة في التطبيع مع سوريا، والتي تدرك مدى تأثير العقوبات الاقتصادية الغربية على قدرتها على الذهاب بعيداً في لعب دور اقتصادي أو سياسي «إيجابي» في هذا البلد. ومن هنا، يعتقد مصدر دبلوماسي سعودي، في حديث إلى «الأخبار»، أنه «من دون إحداث توازن بين الغرب وروسيا والدور العربي، وتبديد مخاوف دمشق، فإن ما سيقدّمه العرب قد يقتصر على عودة العلاقات الدبلوماسية وفتح السفارات، وتوزيع بعض المساعدات في مجالات ضيّقة ومحدودة الاستدامة والتأثير».
وفي انتظار تحقّق ذلك التوازن، تسعى الرياض حالياً لأن تكون بمثابة الوسيط بين دمشق والغرب، وهذا ما يدلّ عليه حديث وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، في ختام «القمة العربية»، عن أن بلاده ستتواصل مع الشركاء الغربيين لـ«تبديد مخاوفهم»، مؤكّداً أنه جرى الاتفاق مع الحكومة السورية على تطبيق خطّة «خطوة مقابل خطوة». ولم يتأخّر المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون، في تلقّف الاتفاق المذكور، ساعياً، في ظلّ تعثّر المسار الأممي واجتماعات «اللجنة الدستورية»، إلى الانخراط في المسار العربي، وجعل أولويات الأمم المتحدة جزءاً منه. وبحسب مصدر في الأمم المتحدة تحدّث إلى «الأخبار»، فإن «بيدرسون، خلال اتّصالاته مع وزراء خارجية السعودية ومصر والأردن أخيراً، تناول تحريك المسار السياسي كجزء من مبادرة خطوة مقابل خطوة، وأولى تلك الخطوات بحسب طرحه، استئناف اجتماعات اللجنة الدستورية». ويضيف المصدر أن «الأمم المتحدة تسعى لكي تكون جزءاً فاعلاً من المسار العربي، وأن لا تكرّر تجربة مسار أستانة التي كانت شبه غائبة عنها، وأحياناً غير مرحَّب بها». وفي سياق متّصل، قبلت دمشق، أخيراً، طلباً من الأمم المتحدة بتمديد عبور المساعدات الإنسانية من خلال معبَرين إضافيَّيْن في الشمال السوري لشهرين آخرين، وهو ما رأى فيه مراقبون رسالة إيجابية من الحكومة السورية إلى المؤسّسات الدولية.
تسعى الرياض حالياً لأن تكون بمثابة الوسيط بين دمشق والغرب
إلّا أن الاستحقاق الرئيس لاختبار النوايا في المرحلة القادمة، ومعرفة مدى قدرة العرب على إحداث خرق في الاستعصاء القائم في الملفّ السوري، يتمثّل في تمديد الاستثناءات الإنسانية من العقوبات المفروضة أميركياً على سوريا، والتي تنتهي صلاحيتها في تموز القادم، بالتزامن مع انتهاء مدّة دخول المساعدات الإنسانية العابرة للحدود إلى سوريا. وفي هذا الإطار، تريد دمشق رفعاً كاملاً للعقوبات، وهو ما لا يبدو قابلاً للتحقّق، بينما تمديد الاستثناءات وتوسيع دائرتها يَظهران أمراً قابلاً للتفاوض في المرحلة الراهنة، علماً أن السوريين لم يحصدوا بعد نتائج «الاستثناء الأميركي»، على اعتبار أن مدّته كانت محدودة، وأن فرط الامتثال للعقوبات من قِبَل المصارف والشركات الغربية بقي معيقاً لإنفاذه، فضلاً عن أن دورة المشاريع عادةً ما تمتدّ على عام أو أكثر، ما يجعل حتى المنظّمات الدولية غير مستفيدة من استثناءات محدودة الزمن والمضمون كالسارية حالياً. أمّا بخصوص دخول المساعدات عبر الحدود، فهو لا يزال أولوية إنسانية لسكّان شمال غرب سوريا، حيث يستمرّ التحكّم السياسي بوجهتها وطريقة صرفها. وبالتالي، تكمن فرصة الدور العربي هنا، في تمديد الاستثناءات الإنسانية وتوسيعها من قِبَل الغرب، في مقابل تمديد دخول المساعدات عبر المعابر من قِبَل دمشق.
وإلى جانب الملفّ المتقدّم، يَبرز ملفّ عودة اللاجئين كأولوية قصوى أيضاً، لكنه أكثر تعقيداً وصعوبة، إذ إن «العودة الآمنة والطوعية» تتطلّب تهيئة ظروف الأمن والسلامة، وضمان عدم تعرّض العائدين لأيّ ملاحقة أمنية آنية أو مستقبلية، وهو ما يقتضي خطوات ملموسة من دمشق. كذلك، فإن الأمان الاقتصادي للاجئين في المناطق التي سيعودون إليها، لن يتحقّق من دون تدفّق مشاريع عربية على مستويَي التعافي المبكر وإعادة الإعمار، وهذا ما يستدعي خطوات من الغرب عبر تسهيلات وتطمينات للشركات بأنها لن تتعرّض لعقوبات. وتؤكّد مصادر دبلوماسية عربية وأممية، لـ«الأخبار»، أنه «حتى اللحظة، هذه هي الملفّات الرئيسة التي يتمّ التباحث حولها في الكواليس، ضمن مبدأ الخطوة مقابل خطوة. كما يتمّ طرح فكرة استئناف عمل اللجنة الدستورية كبادرة حسن نيّة من مختلف الأطراف، وتفعيل المسار السياسي برعاية الأمم المتحدة»، والذي يعاني حالياً حالة ركود، ولا يُعدّ أولوية في المبادرة العربية، التي بحسب المصادر، «تأخذ في الاعتبار متغيّرات الواقع والظروف، التي جعلت القضية السورية في حاجة إلى شكل جديد من التسوية، فيها روح القرار الدولي 2254، وليس حرفيّته».
داخلياً، فإن التحدّي الأكبر أمام السوريين يتمثّل في كسر خطوط التماس في الداخل، وفتح الجغرافيا السورية بعضها على بعض، وحلّ مشكلة السلاح والمسلّحين في الشمالَين الشرقي والغربي، في ما يمثّل بمجمله مهامَّ معقّدة وصعبة، خصوصاً أن مبادرة «خطوة مقابل خطوة» تدعو إلى حلّ تلك المشكلات بطرق سلمية. وإذ يتطلّب الحلّ تغييرات سياسية داخلية في سوريا، فإن المصادر تؤكّد أن «دمشق تبدي انفتاحاً على توسيع مفهوم اللامركزية الإدارية في سوريا، وتعزيز دور الإدارات المحلّية في الحكم»، وهو ما تحاول المبادرة العربية استثماره في مسار الوساطة التي تقودها بين دمشق والغرب.