انتهت الهدنة الروسية الأمريكية في سوريا بعد أن استمرت أسبوعاً وذلك عقب خروقات عديدة من المسلحين ومقتل أكثر من 153 جندياً سورياً خلال تلك الهدنة التي كان صعباً الحفاظ عليها لأن المعركة في سوريا تديرها أكثر من 30 دولة خارجية ما يعني أن تلك المجابهة لن تنتهي الا بحل سياسي ومصالحة وطنية واقليمية وفقاً لمبادئ ثلاثة: وحدة سوريا وسيادتها، وتشكيل حكومة وحدة وطنية موسعة تضم كافة أطياف المعارضة وترك الشعب السوري يقرر مصيره بنفسه.
فعند منتصف ليل 19 سبتبمر 2016، انتهت الهدنة التي تم التوصل اليها بين روسيا والولايات المتحدة كحل أول وأخير للخروج من الأزمة السورية. لكن ما حدث من إصرار وزير الخارجية الأمريكي جون كيري على إبقاء نص الرسالة التي تم التوصل اليها بين موسكو وواشنطن سرياً كان رسالة ضمنية إلى عدم أرجحية استمرار وقف النار في سوريا إذ أن الحاح الجانب الأمريكي على إبقاء الاتفاق سرياً يعني تأكد واشنطن من فشله حتى قبل انتهاء أجله.
ومع ذلك تطالعنا بعض وسائل الإعلام الأمريكية أن الزخم والنشاط المكثف والمشترك في المباحثات الروسية-الأمريكية حول الأزمة السورية يقترب ليتم سنة من عمره على الرغم من عدم وضوح الرؤية لحل سياسي في ذلك البلد. فبعد عام على التدخل الروسي المباشر ضد الارهاب في سوريا، صاحب نشاطها العسكري نشاط سياسي مكثف يقوده وزير خارجيتها سيرغي لافروف وكان أول نتائج التدخل العسكري الروسي هو اعتراف واشنطن بوجود طرفين في الأزمة السورية وأن الأولوية تكمن في تخليص سوريا من الإرهاب قبل البحث في أية موضوعات أخرى.
لكن ما نشرته صحيفة "The Daily Beast" يشير إلى أن ما كانت تريده واشنطن من خلال الاتفاق مع روسيا حول الهدنة هو تجميد القتال وفتح ممرات انسانية والبدء في إدارة الأزمة السورية وليس البحث عن حل. وهنا جوهر المشكلة. فواشنطن لا تسعى الى حل بل إلى تسويف الأزمة السورية وكسب الوقت حتى يرى الرئيس الأمريكي القادم النور خصوصاً بعدما أحدث الرئيس الحالي باراك أوباما زلزالاً سياسياً في المنطقة وأشغل جيوشها في حروب لا طائل منها. فالمسألة اليوم تبدو مؤجلة حتى تولي الرئيس الأمريكي القادم الجمهوري دونالد ترامب أو الديمقراطية هيلاري كلينتون الرئاسة.
ونظراً لأن الحل في سوريا هو سياسي بحت قوامه ما يحققه الجيش السوري في الميدان مدعوماً بمساعدة عسكرية روسية، فإن الاتفاق الأخير بين موسكو وواشنطن يؤكد أن الحل الحقيقى ما زال بعيداً خصوصاً بعد أن ضربت الولايات المتحدة ستاراً من السرية على اتفاق الهدنة. ووفقاً لصحيفة الـ "Washington Post" فإن إدارة الرئيس أوباما كانت مستعجلة للوصول لاتفاق شكلي قبل انتخابات نوفمبر مع إصرار القيادة العليا في البنتاغون على عدم تنسيق الجهود العسكرية مع موسكو لمحاربة الإرهابيين في سوريا. ولعل ما قامت به قوات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة في 17 سبتمبر 2016 في دير الزور من استهداف لمواقع الجيش السوري هو من قبيل نسف أسس التفاهم الروسي الأمريكي.
وأضافت الصحيفة أن الهدنة جاءت لصالح روسيا، إذ منحت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين جل ما يريده في سوريا، ولا سيما بإبقائها لقوات النظام السوري في موقع القيادة في حلب، أكبر مدينة في سوريا، والنتيجة كانت: فوزاً كاسحاً لروسيا وإيران والحكومة السورية على حساب الولايات المتحدة وعدد من الدول العربية وإسرائيل وتركيا. واعتبرت أنه حتى لو فشلت الهدنة في وقف إطلاق النار، فإن بوتين ربح من خلالها موافقة الولايات المتحدة على أن "المسلحين وليس الحكومة.. هم المشكلة الرئيسية لسوريا".
وقالت مجلة "The National Interest" الأمريكية إن الحملة الجوية التي يشنها التحالف الدولي ضد "داعش" في سوريا لم تجد نفعاً رغم تنفيذ التحالف الدولي حوالي خمسة آلاف غارة جوية وقتله الآلاف من عناصر تنظيم "داعش" في سوريا منذ 2014 إلا أن الولايات المتحدة لم تتمكن من إلحاق الهزيمة بهذا التنظيم، ولا هي تمكنت أيضاً من منعه من تنفيذ هجمات مدمرة في خارج سوريا. سيناريو الحل في سوريا
اقترحت مجلة "The National Interest" أن "الخيار الأفضل لواشنطن هو التخلي عن الفصائل المسلحة وترك سوريا كلية لروسيا لكي تتحمل الأخيرة وحدها عبء استعادة الحكومة السورية لهذه الدولة المدمرة، وبالتالي تحمل تكلفة الفشل في حال لم ينجح الأسد".
وذكرت الـ "Washington Post" أنه إذا جرت مفاوضات سياسية جديدة بشأن مستقبل سوريا في أي وقت فإن الرئيس السوري بشار الأسد وروسيا وإيران سيكونون في وضع أفضل من "الفصائل المسلحة" لأن الولايات المتحدة وافقت على مطلب روسي طالما طالب به الرئيس بوتين وهو أن تشارك واشنطن موسكو في استهداف الجماعات الإرهابية.
وفي هذا السياق، كشف تقرير نشره معهد "Washington Institute for Near East Policy" أنه ما لم تؤد الانتخابات الرئاسية الأمريكية إلى حدوث تغيير جذري في سياسة واشنطن تجاه سوريا، فقد يتمكن الجيش السوري من قطع كل طرق إمداد المسلحين على الرغم من مواصلة بعض الدول الإقليمية دعم الفصائل المسلحة هناك ما يعني أن الحرب وإن خف أزيز رصاصها ستبقى حتى تخمد نيرانها بعد سنوات من القتال.
وكشف المعهد: "لكن السيناريو السياسي هنا لا بد أن يغلب مع نهاية العام مع تغير سلوك تركيا تجاه الحكومة السورية إذ إن ذلك سيقطع خط إمداد تلك الفصائل المسلحة الرئيسي، وبالتالي تصبح الأوراق في أيدي الحكومة السورية أقوى ما يعني أن المعارضة الخارجية والداخلية لا بد لها من العودة الى طاولة المفاوضات من جديد للتوافق على حكومة وطنية من المرجح أن تكون في الأشهر القادمة".
فالحل السياسي بات أقرب من أي وقت في ظل قيام الموفد الدولي لحل الأزمة السورية ستيفان دي ميستورا باتصالاته ومشاوراته مع كافة الأطراف، لاستئناف المفاوضات السورية والعملية السياسية في وقت غير بعيد في تشرين الأول أو الثاني المقبلين.