المرصد السوري المستقل

http://syriaobserver.org

سياسة
تصغير الخط تكبير الخط طباعة الصفحة
سوريا: أمل في السلام وتحذيرات من التقسيم
تمثل تصريحات المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا بارقة أمل، بعد صمود الهدنة، وضغوط الراعيين الروسي والأمريكي، لاستئناف المفاوضات السورية-السورية في جنيف.

دي ميستورا قال إن الانتخابات الرئاسية في سوريا يجب أن تُجرى خلال 18 شهرا، مشددا على أن العد العكسي سيبدأ في الـ14 من مارس/آذار الجاري مع انطلاق المفاوضات السورية. ويجدد هذا التصريح التأكيد على توافق دولي بشأن أهمية الالتزام بالجداول، التي تضمنها قرار مجلس الأمن 2254.

المبعوث الأممي أعرب عن أمله "في إحراز تقدم في مسألة تشكيل حكومة انتقالية في سوريا خلال الجولة الأولى من المفاوضات المرتقبة في جنيف".

ومن الواضح أن موقف دي مستورا الضبابي بشأن الفترة الانتقالية يهدف إلى تلافي نسف جولة جنيف المقبلة قبل أن تبدأ؛ لكنها ستشكل محورا مهما للخلافات بين دمشق وحلفائها من جهة، والمعارضة وحلفائها من جهة أخرى.

ومن الطبيعي أن يراعي الدبلوماسي الحصيف التوازنات والخلافات، ويبقي مسألة ترشيح الرئيس بشار الأسد، ودوره في الفترة الانتقالية معلَّقا، ورهنا للمفاوضات في جنيف، أو في عواصم أخرى، ربما لن يشارك فيها السوريون.

البناء على الهدنة لإنجاح المفاوضات

ومن المؤكد أن صمود وقف إطلاق النار منذ 27 شباط / فبراير الماضي، مثَّل اختبارا واضحا للحكومة السورية والمعارضة، وفي الوقت نفسه، للأطراف الإقليمية الداعمة لكل طرف، وقدرتها على التأثير والضغط من أجل التوصل لحل سياسي.

ورغم أن الحكومة السورية والكتل الرئيسة في المعارضة لم تعلن موقفها الواضح في شأن المشاركة في الجولة المقررة يوم الاثنين المقبل، فإنها لا تملك ترف رفض الدعوة إلى استئناف المفاوضات؛ وخاصة في ظل صمود الهدنة، والحديث عن توافق روسي-أمريكي لوضع الحل السياسي على السكة، ووضع حد للعنف وتحسين الأوضاع الإنسانية. كما يجب عدم إغفال أن تراجع قوة المعارضة كثيرا في الآونة الأخيرة من جهة، وتعزيز دمشق مواقعها من جهة أخرى، كانا قبل كل شيء بفضل الدعم الروسي غير المحدود للجيش السوري والقوى المتحالفة معه.

وبداهة، فإن الأطراف السورية المشاركة في المفاوضات تستطيع نسفها، أو تفريغها من مضمونها؛ بدءا من التركيز على أولوية جدول الأعمال، إلى الخلافات حول نقطة أو فاصلة في البيان الختامي؛ لكن كلاً من الأطراف الدولية والإقليمية يملك وسائل ضغط كبيرة للتأثير على حليفه، ما يعني أن الفشل يمثل ضربة للقوى الإقليمية والدولية.

وفي مقابل التوافق الدولي على الخطوط العريضة، فإن خلافات عميقة لا تزال بحاجة إلى عمل دؤوب بين القوى الدولية والقوى الإقليمية من جهة، وبين كل اللاعبين الخارجيين والحكومة والمعارضة السورية من جهة أخرى.

عقدة التمثيل الكردي في جنيف

وتمثل مسألة مشاركة الكرد وحزب الاتحاد الديمقراطي بقيادة صالح مسلم نقطة خلافية؛ فالمعارضة ترى أن الكرد، ممثلين بالمجلس الوطني الكردي، يشاركون في الوفد المفاوض، المنبثق عن اجتماع الرياض. وفي محاولة لتضييق الهوة، لم يستبعد دي ميستورا توجيه الدعوة إلى الكرد في المستقبل للمشاركة؛ مؤكداً إدراكه لأهمية الأمر، وخاصة في ظل تكليفه من جانب مجلس الأمن بضمان الطابع الأكثر شمولا للمفاوضات، ومشاركة جميع السوريين القادرين على المساهمة في مستقبل سوريا فيه.

وبعد ساعات من تصريحات دي ميستورا بشأن مشاركة الأكراد، حذر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف من أن منعهم من المشاركة في مفاوضات جنيف أمر محفوف بالمخاطر، ويهدد بتنامي النزعات الانفصالية في سوريا.

وتزداد أهمية العامل الكردي في ظل الوقائع الجديدة في سوريا؛ فـ"قوات سوريا الديمقراطية"، التي يشكل الأكراد عمادها، باتت تسيطر على مناطق واسعة في ريف حلب الشمالي؛ كذلك في عين العرب وتل أبيض ومناطق الجزيرة شمال شرق سوريا، الغنية بالموارد المائية والنفطية وعماد زراعتي القطن والقمح في البلاد. وفي نقطة لا تقل أهمية، فإن مراهنة أي تحالف روسي- أمريكي على محاربة الإرهاب على الأرض، لا بد أن تعتمد على القوات الكردية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي؛ فقد أثبتت هذه القوات نجاحها منذ معارك "عين العرب (كوباني) إلى اليوم، كما أنها تحظى بدعم نادر من جانب موسكو وواشنطن.

وتكمن أهمية تحذيرات لافروف في تزامنها مع ازدياد الحديث عن شكل بناء الدولة السورية المستقبلي؛ ولا سيما أن تصريحات المسؤولين حول دولة اتحادية أو فيدرالية أو لامركزية تثير بين الفينة والأخرى موجة من النقاشات والجدل حول مستقبل سوريا، ووصل الأمر إلى إعداد خبراء وصحافيين خرائط تقسم سوريا إلى كيانات عدة: أحدها كردي، وآخر علوي، وثالث تحت سيطرة المعارضة، ولا يغفل آخرون كيانا لتنظيم "داعش" الإرهابي.

وحدة سوريا مسألة أساسية لروسيا

موقف روسيا من السجال حول مستقبل سوريا.. جدده المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، بإعلانه أن الحفاظ على وحدة أراضي سوريا مسألة أساسية بالنسبة لروسيا، ويعدُّ "الحجر الأساس" بالنسبة إلى معظم الدول، وتشديده على أنه "لا يحق لأحد باستثناء السوريين أنفسهم اتخاذ قرار شرعي حول مستقبلهم".

الناطق باسم الكرملين، وإن أقر بأن تبادل الآراء حول الخيارات المحتملة للتسوية السياسية في سوريا يجري على مستوى الخبراء بصورة مكثفة، فإنه شدد على عدم جواز تصوير ذلك كمفاوضات موضوعية حول هذه المسألة، قائلا إن "الحديث يدور عن تبادلللآراء بين الخبراء، وهو حديث جار بمختلف الصيغ، وليس بمبادرة روسيا فقط، وليس حول هذا الموضوع فحسب".

ومن الواضح، أن الظروف في سوريا باتت مهيأة أكثر من أي وقت مضى للدخول في عملية سياسية ذات مغزى، قد تشكل منعطفا مهما في المخاض العسير، الذي تعيشه سوريا للخروج من دوامة الحرب إلى تحقيق السلام.

وربما كان من حق السوريين وطالبي السلام في العالم رفع سقف آمالهم بتحقيق اختراق كبير في المفاوضات؛ لكن تفاصيل وخلافات كثيرة قد تسهم في تفجير الأوضاع، والعودة إلى نقطة الصفر؛ والأخطر من ذلك هو أنها قد تدخل البلاد في دوامة حروب أقسى وأكثر دموية لن تخمد نارها في سنوات.

ومن المؤكد، أن تقسيم سوريا سيدخل البلد والمنطقة في حقبة حروب دموية، ربما شكلت شرارة لحرب عالمية ثالثة؛ وفي المقابل، فإن بناء دولة المواطنة، وتقاسم سم السنوات الماضية، يمثل نقطة الانطلاق لإعادة إعمار سوريا وإبعاد شبح الحرب.

      

12:27 2016/03/12 : أضيف بتاريخ







 
المرصد السوري المستقل