مع بدء العمل باتفاق وقف إطلاق النار في سوريا، أو "وقف الأعمال العدائية" تمهيداً لوصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المتضررة، وخطوة في طريق طويل لوقف نزيف الدم السوري، تعالت أصوات تتحدث عما يعرف بـ "الخطة الأمريكية البديلة" الأمر الذي يثير الشكوك حول التزام واشنطن وحلفاءها بوقف إطلاق النار.
وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، ألمح إلى الخطة البديلة أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، دون أن يكشف عن تفاصيلها، ما يعني أن لدى الإدارة الأمريكية تصور آخر غير الذي تم الاتفاق عليه حول وقف العدائيات بالتزامن مع مواصلة المفاوضات السياسية حول الأزمة في إطار حوار سوري ـ سوري.
وسائل الإعلام الأمريكية نقلت عن مصادرها تفاصيل هذه الخطة البديلة، والتي تتضمن ـ بحسب وسائل الإعلام ـ أن الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، عقد عدة مناقشات داخلية بشأن الخيارات المتاحة في حال فشل اتفاق وقف إطلاق النار، وأن الخطة البديلة ترتكز على العمل العسكري، من خلال المساعدة بقوات على الأرض، وزيادة دعم السلاح والتدريب للعناصر، وإقامة منطقة حظر جوي أو منطقة آمنة بالقرب من الحدود التركية.
وزير الخارجية سيرغي لافروف، أكد أنه لا توجد أي خطة بديلة عما تم الاتفاق عليه مع الولايات المتحدة حول "وقف العدائيات" في سوريا، ودعم المسار السياسي لحل الأزمة.
الإدارة الأمريكية في حال تنفيذ هذه الخطة البديلة، فهي تؤكد السعي إلى تأجيج الطائفية والتطرف العنيف والحرب في سوريا، وعدم الالتزام بقرار مجلس الأمن الدولي الصادر مؤخراً دعماً لاتفاق وقف العدائيات، خاصة وأن كيري أنه "ربما يكون من الصعب إبقاء سوريا موحدة إذا انتظرنا فترة أطول"، وما يترتب على ذلك من تداعيات سلبية على الجهود المبذولة حول الأزمة. التصريحات الأمريكية وحلفاءها في المنطقة، تثير القلق من تصاعد نبرة الطائفية بالمنطقة، وحقيقة النوايا تجاه مسار التسوية السياسية للأزمة السورية، في ظل مخاوف من ارتداد خطر الإرهاب وتأثير العناصر المتطرفة على المجتمعات، نتيجة استمرار دعم التكفيريين الإرهابيين، وتصاعد عملية استقطاب الشباب من الدول الأجنبية إلى المنطقة، مما قد يؤدي في النهاية إلى التقسيم على أساس طائفي، وتكرار لسيناريو العراق.
ملف تشكيل قوات برية عربية للتدخل في سوريا بحجة محاربة "داعش" هي فكرة أمريكية لم تتخل عنها إدارة أوباما، وتركت للمملكة العربية السعودية الترويج لها وقيادة العمليات تحت غطاء "تحالف عربي إسلامي" وهي لقيت ترحيباً من جانب تركيا وقطر والإمارات ودول أخرى، فضلا عن استمرار الدعم الذي تقدمه واشنطن من سلاح وأموال وتدريب لعناصر "اللا دولة" أو ما يعرف بـ "المعارضة المسلحة"، وهذا ما يفسر وصول طواقم عسكرية ومعدات من السعودية والإمارات إلى تركيا، تمهيداً لإرسال المقاتلات الخاصة بكل بلد إلى قاعدة "إنجيرليك".
ما يجري في المنطقة العربية هو استمرار للمخطط الأمريكي الذي أعلن عنه مستشار الأمن القومي السابق، "زبيغنيو برجينسكي"، في كتابه بين "عصرين" والذي دعا فيه للاعتماد على الأصولية الدينية، وهيمنة رجال الدين واشعال حروب الأديان والطوائف، وتقوية التيارات الدينية التي لا ترى العالم إلا من زاوية الدين والخلافات الدينية، وهذا ما اسفر عنه ظهور تنظيم "القاعدة" ثم "داعش" لتدخل المنطقة العربية في دوامة من الحروب والصراعات الطائفية التي تقضي على الأخضر واليابس، ولن تستثني حجر أو بشر، إلى جانب استنزاف اموالهم في سباق تسلح بعيداً عن تحقيق تنمية حقيقية ورفع مستوى معيشة المواطنين.
الوجه الحقيقي للولايات المتحدة وحلفاءها يتجلى في الأحداث التي تشهدها سوريا، والديمقراطية التي تتستر خلفها الإدارات الأمريكية المختلفة، ما هي إلا ذريعة للتدخل في الشأن الداخلي للدول المستقلة، ولزعزعة الاستقرار، واستمرار الاضطرابات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وتنامي خطر الإرهاب والتطرف.